IMLebanon

المستقبل خائف من سيناريو انقلابي

«الوضع واضح: إما انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وإما أن يؤجل الأمر إلى أجل غير مسمى والله أعلم كم يطول هذا الأمر، واختيار العماد عون أفضل لكم لأنه حاضر أن يعطي التزامات واتفاقات وأن يحرص على تطبيق الطائف وأن ينقل البلد إلى حالة إيجابية من التعاون الداخلي».

هي بضعُ عباراتٍ قالها نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، خلال رعايته لاطلاق الخطط السنوية لاتحادات البلدية والبلديات في احتفال اقيم في قاعة تموز في بعلبك، قد يعتبرها البعض «تحصيلاً حاصلاً»، بعد أن كرّستها الممارسة السياسية على أرض الواقع منذ حصول الشغور في سدّة الرئاسة قبل أكثر من عام، كما تقول مصادر سياسية مطلعة، ولكنّها كانت قادرة على «تفجير» الساحة الداخلية من جديد، مع تسجيل «استنفار» لافت في صفوف نواب «تيار المستقبل»، الذين بدوا للوهلة الأولى كمن «صُعِقوا» بالمعادلة القديمة الجديدة، على حدّ تعبير المصادر نفسها.

هكذا، توالى نواب «المستقبل» في التعليق على كلام الشيخ قاسم. هذا وصفه بـ«الخطير»، وآخر قرأ فيه «إحراقاً» لورقة عون الرئاسية ودفناً لصورته «التوافقية»، وثالث اعتبره «إساءة» لـ«الجنرال» قبل غيره، مطالباً إياه بـ«تسجيل موقف». لكنّ كلّ هذه المواقف لا تعني أنّ «المستقبل» تفاجأ عملياً بالطرح الذي قدّمه الشيخ قاسم، بحيث تقرّ مصادر نيابية «مستقبلية» في هذا الإطار بأنّ التصريح لم يقدّم عملياً أيّ جديد، باعتبار أنّ «حزب الله» ينفذه على الأرض منذ اليوم الأول، من خلال تعطيله نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بـ«الضربة القاضية» بانتظار «التوافق المستحيل» على شخص العماد عون. ولكنّ المصادر تستغرب ما تعتبره «أقرب للوقاحة» في وقتٍ ما، عندما لا يتردّد الحزب في القول بشكلٍ علني ومن دون خجل، «إما عون أو الفراغ»، في تأكيدٍ فاقعٍ للاتهامات الموجّهة للحزب بأنّه «يشخصن» الاستحقاق، على طريقة «مرشحي أو لا أحد»، البعيدة كلّ البعد عن كلّ الأصول أو الأعراف الديمقراطية، مستهجنة كيف أنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» الذي ينادي ليلاً نهاراً باحترام الدستور يسكت على هذه «المسرحية الهزلية» التي تجعل من «الديمقراطية» مجرّد شعارٍ رنّان يمكن «انتهاكه» متى كان «احترامه» سيضرّ بالمصالح الفردية والآنية.

عمومًا، ترى المصادر «المستقبلية» أنّ عون هو في مكانٍ ما «ضحية» وليس «الجلاّد»، باعتبار أنّ «حلمه المشروع» بالوصول إلى الرئاسة بات يتحكّم بأفعاله وممارساته هذه الأيام، خصوصاً أنّ الرجل يعتبر أنّ الفرصة التي قد تُتاح اليوم بالتربّع على كرسي بعبدا لن تتكرّر في أيّ وقت، ولذلك فهو يريد أن يستغلّها حتى اللحظة الأخيرة، من دون أن ييأس أو يستسلم. ولعلّ «نقطة الضعف» هذه بالضبط هي التي يستغلّها «حزب الله»، كما تقول المصادر «المستقبلية»، لتحقيق «أجندته» التي لم تعد خافية على أحد بتكريس «الفراغ الشامل»، أو على الأقلّ بربط الاستحقاق الرئاسي اللبناني بالملف النووي الإيراني على أعتاب «الاتفاق المنتظر» بين الجمهورية الإسلامية والغرب، والذي حُدّد موعدٌ مبدئي له في أواخر شهر حزيران الجاري، وبذلك يكون عون مجرّد «ألعوبة» يحرّكها الحزب وحلفاؤه الإقليميون كما يشاؤون، على طريقة «الترغيب» من خلال ما يسمّونه بـ«الوعد الصادق» بتعبيد طريق «الجنرال» نحو قصر بعبدا.

وإذا كانت المصادر تعرب عن اعتقادها بأنّ «الأحلام العونية» انتهت مع تصريحات الشيخ قاسم، التي أعطت «خصومه» سبباً إضافياً لرفض انتخاب عون رئيساً، بوصفه تكرّس كـ«مرشح حزب الله ونقطة على السطر»، فإنّ جلّ ما تخشاه، على ما تقول، أن يعمد الحزب في مرحلةٍ من المراحل إلى «الخطة باء»، والتي قد تتخذ شكل «الانقلاب العسكري» لتعيين العماد عون رئيساً بالقوة، تمهيداً لـ«الانقلاب» على النظام ككلّ، وهو ما يسعى إليه «حزب الله» منذ فترة بعيدة، وفقاً للمصادر، وتحديداً منذ الحديث الشهير لأمينه العام السيد حسن نصر الله عن «مؤتمر تأسيسي»، وهو يجرّ عون باتجاهه في هذا الإطار.

في المقابل، يثير هذا «السيناريو التهويلي» سخرية في صفوف قوى الثامن من آذار، التي ترى مصادر منها أنه يثبت أنّ «خيال الخصوم أوسع بكثير ممّا كنّا نتوقع»، وتدعو لقراءة تصريح الشيخ قاسم والمستجدّات الحاصلة على أكثر من خط بـ«واقعية سياسية» يبدو أنّ الكثيرين يصرّون على الابتعاد عنها هذه الأيام. وتشدّد هذه المصادر على أنّ «الانقلاب» لم يكن يوماً ولن يكون جزءاً من استراتيجية المقاومة في لبنان، مذكّرة بأنّ «حزب الله» لو أراد أن يستلم السلطة لفعل ذلك منذ زمن، والكلّ يعلم أنّه يكاد يكون المقاومة الوحيدة في التاريخ التي تهدي انتصاراتها لجميع أبناء الوطن، سواء منهم شركاؤها في صنع الانتصارات أو أصحاب خطابات المغامرة والتهويل، ولا تستغلّ هذه الانتصارات لتنقلب على كلّ هؤلاء وتحتكر السلطة بكلّ بساطة.

وتعتبر المصادر أنّ ما قاله الشيخ قاسم لم يكن يحتمل كلّ هذا التضخيم من قبل فريق «14 آذار»، وهو ليس جديداً بأيّ شكلٍ من الأشكال، لافتة إلى أنّ «حزب الله» سبق أن أعلن على لسان كلّ قيادييه بمن فيهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله نفسه أنّ مرشحه للرئاسة هو العماد ميشال عون، بل أحال كلّ من أرادوا مفاتحته بالموضوع الرئاسي إلى عون. وبالتالي، فإنّ المنطق الذي يعتمد عليه الحزب، بحسب المصادر، يقول أنّ لا بحث بأيّ مرشحٍ آخر طالما أنّ الجنرال لا يزال مرشحاً للرئاسة، وبما أنّ الواقع يقول أنه لم يتراجع عن ترشحه أو يقبل بتسمية غيره كمرشح توافقي، فإنّ الحزب كما التكتل لن ينزل إلى المجلس النيابي لانتخاب أيّ رئيس من دون تحقيق هذا التوافق.

لا جديد إذاً في تصريح الشيخ قاسم، بل هو تأكيدٌ للمؤكّد، الذي لم يخجل «حزب الله» وتكتل «التغيير والإصلاح» في المجاهرة به يوماً، بدليل تعطيلهما لنصاب الجلسات الرئاسية منذ أكثر من عام، بوصفه حقاً ديمقراطياً ممنوحاً لهما، على ما يقولان. وبغضّ النظر عن «شرعية» هذا الحق من عدمها، يبقى الأكيد أنّ موقف الشيخ قاسم النظري ممارَسٌ تطبيقياً على الأرض منذ فترة طويلة، بحسب المصادر نفسها، التي تختم بتساؤل مشروعٍ، ألا وهو، ما محلّ «عَجَب» البعض«العجيب» اليوم من الإعراب عندئذٍ؟