ليس سراً القول إن العلاقات بين «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» ليست بأفضل حالاتها، في ظل التباين الحاصل بين الفريقين داخل الحكومة حيال عدد من الملفات ومن بينها ملفا الانتخابات النيابية والكهرباء، لكن على الرغم من ذلك تبقى أفضل بكثير من تلك العلاقة المتوترة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» والتي تهدد جدياً تفاهم معراب، وإن سعى الطرفان إلى إبقائه صامداً، لحمايته من الضربات الموجعة التي تلقاها في الفترة الماضية، بعد التباعد الواضح في المسافة بين «القواتيين» و«العونيين».
وإذا كانت هناك ملفات تشكل نقطة خلاف بين «المستقبل» و«القوات»، إلا أنه في المقابل هناك الكثير من الملفات الأخرى التي تحظى بوجود توافق تام حولها، سيما ما يتعلق بالثوابت الاستراتيجية وفي مقدمها موضوع العلاقة مع النظام السوري وبما يختص بمسألة النازحين، حيث أن الرأي واحد بشأن هذا الملف الذي يشكل مادة تجاذب سياسي بامتياز، بين مؤيدي عودة التواصل مع النظام السوري وبين المعارضين الذين يرفضون أي توجه لإعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق، انطلاقاً من هذا الباب وفي مقدمهم «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، حيث تؤكد لـ«اللواء» في هذا الإطار، مصادر وزارية من الفريقين، أن التوافق تام بينهما في ما يتعلق بضرورة التصدي في مجلس الوزراء وخارجه لأي محاولة من جانب «حزب الله»، أو أي من حلفائه، لإعادة وصل ما انقطع مع النظام السوري الذي يتحمل مسؤولية قتل وتهجير شعبه، ولا تهمه إعادة النازحين بقدر ما يهمه تبييض صفحته وإعادة الاعتبار إليه من خلال ما يقوم بها المحسوبون عليه داخل الحكومة وخارجها.
وقد علمت «اللواء» في هذا الإطار، أن وزراء «القوات» كانوا حاسمين في هذا الملف وهم أبلغوا المعنيين، أن أي توجه نحو إعادة العلاقات مع نظام الأسد، خط أحمر لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور على الصعيد الحكومي بعده، وبالتالي فإنه من الحكمة التعامل مع هذا الموضوع بمسؤولية كبيرة، لتفادي أي خطوة في المجهول، وهو ما لاقى دعماً من «تيار المستقبل» الذي يدرك تماماً أن الضغط باتجاه التطبيع مع الأسد، ربما تدفع ثمنه الحكومة وهو ما لا يمكن القبول به، لأنه ليس من مصلحة أحد استقالة الحكومة وحصول فراغ على مستوى الرئاسة الثالثة، كأن تتحول هذه الحكومة إلى تصريف الأعمال، ما يجعل الأمور مفتوحة على شتى الاحتمالات.
وفي المقابل فإن «المستقبل» و«القوات» يعلمان جيداً أن الداعين إلى إيجاد حل لأزمة النازحين، يدركون أن الأمور ليست بهذه البساطة، فالنظام السوري ليس جاداً في هذه القضية ولا يريد إعادة أحد، بقدر ما يريد أن يبيض صفحته على حساب هؤلاء النازحين، خاصةً وأنه لم يبادر إلى اتخاذ أي خطوة إيجابية تعكس حرصه على حل قضيتهم، لا بل أنه كان وما يزال يعمل على اختلاق العراقيل التي تحول دون عودتهم إلى بلدهم. ومن هنا فإن المطلوب أن تتولى الأمم المتحدة وحدها مسؤولية إعادة النازحين إلى وطنهم، لأنها قادرة على فرض ذلك على نظام الأسد وتحميله مسؤولية أي إخلال بما قد يتعهد به، في حين أن لبنان أو سواه، ليس قادراً على القيام بأي شيء على هذا الصعيد، خاصةً وأن المجتمع الدولي يعتبر أن الأسد لا يمكن أن يقبل بعودة النازحين، إلا إذا أجبرته الأمم المتحدة على ذلك، من خلال توافق دولي يؤمن للنازحين الأجواء المطلوبة التي تكفل إعادتهم بأمان، وبالتالي فإن استمرار الخلاف بشأن هذا الملف، لا يساعد لبنان على التخفيف من أعباء النزوح، في الوقت الذي يبدو المجتمع الدولي مقصّراً كثيراً في تلبية احتياجات النازحين، ما يفاقم الأزمة ويجعلها خارج حدود السيطرة.