Site icon IMLebanon

المستقبل لا يستسيغ مواقف «القصر»

قام الوزير نهاد المشنوق بما  يتوجب ويقتضيه دوره ومسؤولياته في وزارة الداخلية بتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل ثلاثة ايام من الموعد القانوني لانتهاء المهل فدخلت البلاد في مرحلة «العد العكسي» للقانون ولاحت معالم الأزمة  اكثر من قبل فلا رئيس الحكومة سيوقع المرسوم التزاماً بما سمي تفاهماً انتخابياً تم الاتفاق عليه في مراحل التسوية الرئاسية،  ولا رئيس الجمهورية في صدد التراجع خطوة الى الوراء والقبول بقانون الستين مما يؤشر الى دخول الازمة الانتخابية النفق الخطير، فمع زيادة الضغوط بحكم انطلاق المهل الزمنية واضطرار القوى السياسية الى تحمل مسؤولياتها كما فعل المشنوق فان عدم التوصل الى حل سريع يعني تصاعد المخاوف من عودة التوترات الى الساحة السياسية وحيث ان شبح الانقسامات بدأ يلوح في الأفق بين القوى السياسية التي تعصف بها الاختلافات على انواعها ازاء كل الملفات المطروحة.

 فالواضح ان كل فريق سياسي عاد كما تقول اوساط سياسية الى اصطفافاته السابقة سياسياً، فرئيس الجمهورية او التيار الوطني الحر الذي تعرض لاطلاق نار حليف ومن الاخصام بتكريس الثنائية المسيحية مع القوات ومحاولة تحقيق تسونامي مسيحي وإلغاء الآخرين وجد نفسه هذا الفريق مضطراً الى التموضع السياسي الى جانب حزب الله، فما قاله رئيس الجمهورية عشية زيارته الى مصر والأردن بموقفه الداعم لسلاح حزب الله لم يكن مفاجئاً الا لفريق 14 آذار السابق الذي سبب له هذا الموقف نقزة خصوصاً انه لا يمكن ان يهضم مهما بلغت التفاهمات فكرة سلاح المقاومة، رئيس الجمهورية لم يجد بداً من الدفاع عن السيادة اللبنانية رداً على كلام المندوب الإسرائيلي بانه تهديد للبنان وبأن أي محاولة اسرائيلية للنيل من السيادة اللبنانية ستجد الرد المناسب لها.

بالطبع فان اوساط المستقبل وفريق 14 آذار لم يستسغ المواقف التصعيدية لرئيس الجمهورية في الشكل وفي المضمون خصوصاً ان المستقبل يتطلع الى علاقة مختلفة مع المملكة السعودية والعالم العربي فكان بيان المستقبل للضغط على رئيس الجمهورية للرد على خطاب الامين العام لحزب الله واضعاً مواقف نصرالله برسم العهد. فالواقع ان انقساماً خطراً وقع مؤخراً على خلفية المواقف المستجدة، فاوساط 8 آذار استهجنت الاعتراضات والانتقادات التي أثيرت على خطاب السيد حسن نصرالله الأخير في حين ان جزءاً اساسياً من خطابه موجه الى العدو الاسرائيلي متحدثاً عن اليمن والبحرين، في حين ان موقف رئيس الجمهورية من سلاح حزب الله ليس جديداً فان خطاب نصرالله يأتي في سياق الحرب التهويلية التي تدور بينه وبين اسرائيل وهذا الموقف بدون شك يرعب العدو الاسرائيلي الذي يخشى قدرات وامكانات المقاومة خصوصاً ان نصرالله غالباً ما يفي بوعوده.

 ما يحصل اليوم من اختلاف حول قانون الانتخاب لا يبدو احسن حالاً عن الاختلاف السياسي، فالقوات اللبنانية سجلت اعتراضها على قانون الوزير جبران باسيل في حين تبدو القوات ميّالة الى مراعاة المستقبل بالدرجة الأولى والنائب وليد جنبلاط بالتمسك بالقانون المختلط في حين تتطاير الرسائل من التيار الوطني الحر الى المختارة بعدم جواز تفصيل قانون على قياس الزعيم الاشتراكي الذي لا يحق له بتسمية النواب المسيحيين في الجبل، فالاختلاف في شأن القانون الانتخابي واقع منذ فترة والاختلاف السياسي ايضاً لكن الجميع متفق على عدم توسيع رقعة الخلاف حتى لا تنهار السقوف السياسية على رؤوس الجميع.

وتعتبر الاوساط ان المشهد السياسي منذ التفاهمات السياسية الاخيرة بين القوات والتيار الوطني الحر او بعد حصول التسوية بين المستقبل والقوات  في شأن الرئاسة لم يكن دائماً مكتملاً، لكن ثمة خطوط حمراء ممنوع تجاوزها منذ انجاز التسوية بان لا يتحول الاختلاف الى خلاف. ويشبه اليوم ما حصل في الانتخابات البلدية عندما  اختلط  «الصالح بالطالح» فحصلت العصفورية الانتخابية، فالانتخابات البلدية شكلت خليطاً متناقضاً تداخلت فيه عوامل السياسة والعوامل العائلية والحزبية الضيقة والظروف المناطقية فما صح في بيروت لم يعتمد  في البقاع، وما حصل في المتن وجبل لبنان لا ينطبق على الشمال، فتشتت التحالفات واضمحلت التفاهمات وتاهت كل من 8 و14 آذار والتفاهمات السياسية او دخلت في الموت السريري، فخاض المستقبل مواجهات انتخابية  مع التيار الوطني الحر ضد القوات ومع القوات في مناطق اخرى وتحالف التيار مع 14 آذار في مناطق وبلديات معينة، تماماً كما اختلط «حابل بالنابل» عندما رشح تيار المستقبل في المعركة الرئاسية اولاً سليمان فرنجية، فيما رشحت القوات ميشال عون وعندما اضحى فرنجية وعون مرشحين خصمين للرئاسة بعد تحالف متين وثابت وقوي.

وعليه ترى الاوساط ان تفاهم معراب عملياً لا يعني الذوبان الواحد في الفريق الآخر، وغالباً ما تثار تساؤلات في الكواليس «من قلب التفاهم» بالذات حول المدى الذي سيصل اليه اتفاق الحزبين المسيحيين وتعاونهما والتزامهما مستقبلياً ببعض خصوصاً ان الانتخابات البلدية وحدتهما في بعض المحطات وفرقتهما في اخرى، فالتساؤلات قامت سابقاً ً حول جدوى بعض التفاهمات البلدية بين القوات والعونيين كمثل خوض انتخابات مواجهة في جونية وبعض المناطق واطلاق يد جبران باسيل في البترون فيما الوضع في بشري في الانتخابات البلدية وفي النيابية مستقبلاً وكيفية حصول الانتخابات فيها واضح للجميع.

الواضح ان الثنائية المسيحية متفقة انتخابياً بما يضمن تحقيق التمثيل المسيحي  في الانتخابات النيابية واختصاره بها ربما لكن في السياسة فان رئيس القوات يبدو انه لم يخرج من عباءة المستقبل وفريق 14 آذار سابقاً، ورئيس تيار المستقبل الذي نقل فريقه السياسي وتموضعه الى جانب رئيس الجمهورية يحاول ان يحافظ عندما يتعلق الأمر بسلاح حزب الله ومشاركته في الحرب السورية ان يتنحى قليلاً وان يحيَد نفسه عما يحصل دون وقوع المواجهة مع رئيس الجمهورية، كما ان رئيس الجمهورية لم يبدل  استراتيجيته السابقة، هو واثق الخطوات في دعمه وتأييده لحزب الله لم يبدل في مواقفه لا قبل اعتلاء الكرسي ولا بعدها، ولم يغير في شأن القانون الانتخابي  يهدد  بالفراغ واللاعودة الى قانون الستين، وسمير جعجع يحمل حزب الله  الى حد ما كل مشاكل لبنان، والسؤال الاهم في ظل المعمعة الداخلية والتأرجح بين أزمة القانون وانقسام القوى السياسية مجدداً وتوزعها في المعسكرين السابقين «لبنان الى اين»؟