لم يأت تعطيل قيام حكومةٍ لبنانية على مدى نحو سنة ضرباً من المماحكة السياسية او الدلع التقليدي. كان على هذه الحكومة المتخصصة الفاعلة ان تولد منذ لحظة اندلاع الانهيار في نهاية 2019، أو على الأقل مباشرة بعد تفجير مرفأ بيروت وضواحيه. وكان امامها برنامج للتنفيذ يبدأ من وقف الانهيار المالي والإقتصادي، ويحفظ مدخرات اللبنانيين ومعاشاتهم، ويعيد بناء ما تهدم في الانفجار ويعوض الضحايا ثمن الكارثة. كان على هذه الحكومة ان تعالج موضوع الدعم وانفلات التلاعب بالعملة الوطنية الذي اوصلها الى الحضيض، وأن تتخذ تدابير تحفظ حقوق المودعين في المصارف، وتعين المواطن في تأمين حاجاته الاساسية في الصحة والتعليم والمأكل والملبس… تراقب الاسواق وتمنع التهريب والتلاعب بالدولار مع ما يعنيه ذلك من ضبط للحدود براً وجواً وبحراً…
كان على مثل هذه الحكومة ان تمنع الاتجار بالمخدرات وتحويل موانئ لبنان الى منصات لتهريب الكابتاغون، وفي السياسة ان تستعيد علاقات لبنان العربية والدولية المتوازنة والمسؤولة، لتضعها في خدمة مصالح اللبنانيين ووطنهم العليا. وكان عليها ان تحاسب المرتكبين والفاسدين على كل صعيد، وأن تجعل القضاء سلطة حاسمة غير مستباحة، بل مُسْتَبيحة لكل اوكار ومكامن الفساد والجريمة…
كان ذلك، أو بعضه، مما يُنتظر حصوله من حكومة تتمتع بالحد الأدنى من الصدقية، تتشكل فور بداية الانهيار، أو أقله بعد الإنفجار. وهو ما طالب به اللبنانيون في كثرتهم، ودفع اليه الرئيس الفرنسي، ثم تبنته المجموعات الدولية قاطبة… ومع ذلك بقي البلد من دون حكومة!
لم يحصل ذلك سهواً. كانت السلطة الفعلية تريد هذا المسار: افقارٌ تام، نهبٌ تام، رفع للدعم مواكب لانهيار العملة الوطنية، إمتناع عن تطبيق مبكر للكابيتال كونترول، تهريب رؤوس الأموال والثروات المشبوهة، وصرف بقايا ودائع الناس تمويلاً للتهريب وتجّاره. باختصار سعت متعمدة للوصول الى ثالث أكبر كارثة منذ قرن ونصف حسب تصنيفات البنك الدولي.
ماذا يبقى إذاً امام الحكومة الجديدة إذا ولدت لتفعله. لن يكون الجدل بشأن صندوق النقد عملةً رائجة. فالسلطة قامت بتدابير إفقارية لا يبيح الصندوق لنفسه الحديث عنها. سيكون عليها إن ظهرت ان تحمل عبء نتائج تأخيرٍ وتعطيلٍ استمرا سنة على الأقل، لكن الأخطر سيكون في مكان آخر وهذا ما يخشاه الراغبون في رؤية حكومة لبنانية طال انتظارها. ما يخشاه هؤلاء هو شرط ضمني من دون قبوله لا حكومة ولا من يحكمون، وهذا الشرط سيتعلق بأمرين: الالتزام بعدم محاسبة المسؤولين عن الفترة الماضية في انهياراتها المالية والاقتصادية، والثاني عرقلة التحقيق في انفجار المرفأ في استكمال للموقف السياسي النيابي الرافض لرفع الحصانات. ان حكومة تولد بهذه الشروط لا تستحق ان ترث حسان دياب. فليبق في تصريفاته، انه الأفضل للسلطة في همومها الراهنة.