Site icon IMLebanon

المستقبل في عكار: أربع أزمات كبيرة

في دائرة عكار، يواجه تيار المستقبل ما يواجهه في معظم الدوائر الأخرى من تحديات النسبية وانحسار الحماسة الشعبية وتململ المناصرين من تراجع الخدمات والمال. لكن يضاف إلى هذه جميعها ما هو أهم بكثير: أربع مشكلات طارئة لا مثيل لها من حيث الجدية في أي دائرة مستقبلية أخرى

لا يعرف تيار المستقبل ماذا يتعين عليه أن يفعل في عكار: ينظم مهرجاناً ترفيهياً وموسيقياً في بلدة الكواشرة تارة، وينكب على رفع اللافتات لتهنئة أحد الملازمين بانضمامه إلى أمن الرئيس سعد الحريري ضمن سرية الحرس الحكوميّ طوراً، وبين هذه وتلك يولم على شرف منسقه العام أحمد الحريري أو ينظم مباراة لكرة القدم أو ندوات للمزارعين.

الخزان الشعبيّ الهائل تعرض لمجموعة ثقوب؛ تيار الخطاب السياسي التحريضيّ (الطائفي أحياناً كثيرة) بات من دون خطاب. تيار الخدمات من دون خدمات. تيار المال السياسي الأول في لبنان بات من دون مال. لكن هذه جميعها مشكلات عامة عابرة للدوائر. أما عند التمعن في الواقع العكاريّ تحديداً، فتظهر مجموعة مصائب إضافية:

أولاها وأكثرها إيلاماً لتيار المستقبل هي مشكلته عند آل المرعبي، فهذه العائلة التي يتجاوز عدد ناخبيها 18 ألفاً تذهب إلى الانتخابات هذه المرة خلف سبعة مرشحين، هم: 1 – النائب معين المرعبي الذي وزّره تيار المستقبل أملاً بتمكنه من توطيد نفوذ المستقبل خدماتياً وسياسياً واستحداث زعامة مناطقية حقيقية في منزله. لكن اتزان المرعبي خدماتياً وعدم إسرافه في استغلال السلطة كما تتطلب الزعامة المناطقية أدى إلى فشل ذريع، في ظل تأكيد بعض الوزراء أنهم لم يتلقوا أي طلب من زميلهم، وهو موقف يقدَّر له، لكنه ينسف مخططات من وزّره.

2 – النائب المستقبلي السابق مصطفى هاشم المرعبي أو «البيك» كما يطلق عليه في عكار. وهو من ساحل منطقة القيطع التي كان ولا يزال النائب خالد ضاهر اللاعب الأقوى فيها. وقد استوعب المستقبل ضاهر عام 2009 بعد إجراء حسابات انتخابية دقيقة، لكن ضاهر بات، على ما يبدو، في المقلب الآخر، ولا يمكن إقناع «البيك» الذي لا يزال يضع «بينز الرئيس الشهيد» على صدره أن هناك مرعبيّاً أحق منه بالنيابة. 3 – سعود يوسف المرعبي الذي يحجز لنفسه في كل انتخابات عدداً معتبراً من الناخبين المرعبيين، لكنه لم يكن يؤثر بشكل كبير على تيار المستقبل باعتبار أن النظام الأكثري كان يسمح للمقترعين بأن يشطبوا فلاناً ويراعوا ابن عائلتهم، أما اليوم فالأمر مختلف بالكامل. وكل صوت يأخذه المرشح سعود اليوسف إنما يأخذه من أمام المستقبل حصراً. 4 – النائب السابق طلال المرعبي الذي يعول على همسة سعودية في أذن الحريري في الوقت المناسب بعدما بات ابنه عضواً في مكتب المستقبل السياسي. وهو لن يغامر في حال عدم تبني المستقبل لترشيحه بإغلاق بيته السياسي والعزوف عن الترشح. بل إن خيار إكمال المشوار وارد في حساباته، وكله ثقة بأن المناوئين للمستقبل كثر و«ماكنون» هذه المرة. 5 ــ رجل الأعمال غسان المرعبي أو من ينوب عنه، وهو يعتبر أحد أبرز المتمولين اللبنانيين. وقد شاع عام 2009 أنه كان قد طلب من اللواء أشرف ريفي الإيعاز للحريري بوجوب تبني ترشيح النائب معين المرعبي، لكن علاقته ساءت لاحقاً بالمرعبي وبقيت وطيدة بريفي. إضافة إلى اللواء المتقاعد عدنان المرعبي وخالد عبود المرعبي، والاثنان من بلدة البيرة. ولا بدّ هنا من إعادة التذكير بأن النظام الانتخابي السابق كان يسمح لأبناء هذه العائلة بإرضاء ثلاثة مرشحين أحياناً، لكن الناخب سيكون ملزماً هذه المرة باختيار مرعبيّ واحد فقط. وهو ما يضيف إلى خسائر المستقبل العامة خسائر مباشرة هنا.

ثانيتها، أزمة عشائر وادي خالد، حيث يوجد لاعبان أساسيان: محمد سليمان وخالد البدوي. محمد سليمان أو أبو عبدالله بقي مرشح تيار المستقبل في انتخابات 2009 حتى آخر دقيقة، حين ذهب الرئيس سعد الحريري شخصياً ليقنعه بأن حقه محفوظ، لكنه مضطر إلى استبداله بمرشح آخر. وهذا ما حصل فعلاً وواصل أبو عبدالله العمل باعتباره يملك «كلمة» من الرئيس الحريري الذي لا يتراجع عن وعوده. وخلال الانتخابات البلدية الأخيرة، تدخل أبو عبدالله في عدد كبير من البلديات في وادي خالد، لكنه لم يوفق في خياراته فخسرت لوائحه أمام اللوائح المدعومة من رجل الأعمال خالد البدوي. البدوي، وهو رئيس بلدية سابق، يلقى دعماً من معظم رجال أعمال الوادي وتحالف البلديات. ولا شك أن أبو عبدالله قوي وتأثيره كبير، لكن البدوي أقوى وتأثيره أكبر، ولا شيء اسمه تنظيم حزبيّ لتيار المستقبل هنا. إذ يتوزع مسؤولوه بين هذا وذاك، وفي حال أخذ المستقبل أياً منهما، فسيخسر حتماً الآخر وكل من يؤثر بهم.

ثالثتها، أزمة جرد وساحل القيطع. ففي الجرد، عجز النائب المستقبلي خالد زهرمان عن الوقوف على قدميه في مواجهة النائب السابق وجيه البعريني، رغم الجهد الكبير الذي بذله، نظراً إلى افتقاده الحضور البعريني والمال وتغلغل وليد وجيه البعريني (ابن النائب السابق) في جميع الإدارات العامة على نحو يصعب مزاحمته. وقد زاد الطين المستقبلي هنا بلّة بعد الخلاف مع النائب خالد ضاهر الذي جعل الضعف المستقبليّ ينتقل من الجرد إلى الساحل أيضاً.

أما رابعة المشكلات الانتخابية التي يواجهها تيار المستقبل فتتمثل بالنائب هادي حبيش الذي لا يمكن «المستقبل» التخلي عنه باعتباره المسيحيّ الحاضر شبه الوحيد بين مجموعة المسيحيين الحريريين «الغائبين عن الوعي». ولا شك أن تمسك المستقبل بحبيش سيوقعه بمشكلة كبيرة مع التيار الوطني الحر الذي يتمسك بالحصول على هذا المقعد دون غيره لمرشحه جيمي جبور. وفي حال تجاوز العقبة العونية، سيجد الحريريون أنفسهم مضطرين إلى تجيير أصوات مقترعين سنّة إلى حبيش ليضمن تفوقه على المرشح المارونيّ في اللائحة الأخرى، وهو ما سيعرّض المرشحين السنّة على لائحة المستقبل لخطر كبير لأن حسابات الصوت التفضيلي في النظام النسبي لا تسمح للمستقبل بالمخاطرة بأي صوت، وهو مضطر إلى توزيع أصوات مؤيديه التفضيلية على مرشحيه الثلاثة دون أي زيادة أو نقصان، في ظل تربص عدة مرشحين أقوياء به.

يضاف إلى ما سبق مجموعة المشكلات التقليدية التي يمكن إيجادها في كل المناطق وكل الأحزاب، كالخلافات الشخصية بين مسؤوليه، أو إصرار بعض المسؤولين على الترشح، سواء تبنى المستقبل ترشيحهم أو لا.