لم يمرّ التحرّك الغاضب للعسكريين المتقاعدين امام السراي الحكومي امس الأول مرور الكرام على تيار»المستقبل»، الذي استفزّه تهديد المحتجين باقتحام السراي وطرد الوزراء خلال اجتماع الحكومة، الى حد انّ كتلته النيابية أصدرت بياناً شديد اللهجة ضد هذا التحرّك، لم يخلُ من رسائل سياسية بين السطور.
يعكس بيان كتلة «المستقبل» استياء رئيس الحكومة سعد الحريري من فتح المتقاعدين العسكريين «جبهة» ضد الحكومة ورئيسها على مقربة من السراي الحكومي، الذي يحمل اكثر من رمزية بالنسبة اليه. وعلى رغم من انّ المتقاعدين ينتمون الى كل الطوائف والمناطق، إلاّ انّ الحريري شعر أنّ تحرّكهم المرتفع السقف ينطوي على استهداف مريب لموقع رئاسة الحكومة.
وقد أسفت الكتلة بعد اجتماعها لـ»بعض التحرّكات الاستباقية والمشبوهة التي تتجاوز حدود المنطق، على صورة ما شهده محيط السراي الحكومي، ومحاولات الاقتحام والمواجهات والشتائم ولتهديدات بعض العسكريين المتقاعدين بدخول السراي عنوة واحتلال مواقع المجتمعين على طاولة مجلس الوزراء». ونبّهت الى «انّ مقرّ رئاسة الحكومة وسائر المقار الرسمية اللبنانية ليست ارضاً سائبة، والتصرّفات التي وقعت تنمّ عن رغبة في استخدام المؤسسات العسكرية والأمنية وشهداء الوطن لأغراض غير بريئة تتجاوز الشعارات المطلبية».
وأبلغ مصدر بارز في «المستقبل» الى «الجمهورية»، انّه ممنوع على أي طرف او فئة أو مجموعة أو حزب او مخلوق استباحة السراي الحكومي او أي مقرّ رسمي آخر، لافتاً الى انّ هذه الرسالة الحازمة موجّهة الى العسكريين المتقاعدين والى كل من يعتقد أنّ في إمكانه التطاول على موقع رئاسة الحكومة.
ويعتبر المصدر، انّ ما جرى امس الاول «يشكّل إساءة الى موقع رئاسة مجلس الوزراء وما يمثله»، مشدداً على انّ «طق الحنق» الذي حصل مرفوض، «والسراي ليس مكسر عصا حتى يصبح مقصداً لكل من يريد ان يفش خلقه».
ويلفت المصدر القريب من الحريري، الى «انّ التلويح باقتحام السراي يعكس استخفافاً برمزية هذا المكان وبحرمة المؤسسات الدستورية»، مضيفاً: «السراي هو موقع متقدّم للشرعية الدستورية والاقتراب منه محظور».
ويعتقد المصدر، «انّ تحرّك العسكريين المتقاعدين ليس بريئاً او عفوياً»، مرجحاً أن يكون هناك من يقف خلفهم و»يدفشهم» في اتجاه التصعيد وتجاوز الخط الاحمر. وداعياً في هذا السياق الى التوقف عند تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط، الذي اشار الى «انّ البعض في الدولة يقف متفرجاً على البعض الآخر يقتحم السراي»، متسائلاً: «هل علينا ان ندفع ثمن صراع الأجنحة داخل البيت الواحد من أجل الرئاسة؟».
ومع انّ البيان الصادر عن كتلة «المستقبل» تجنّب التطرّق الى هوية «المحرّضين» مكتفياً بالتلميح اليهم، إلاّ انّ المصدر يشير الى انّ استنتاجه الشخصي يدفعه الى الاعتقاد «أنّ هناك أحداً ما في «التيار الوطني الحر» هو الذي يحرّض العسكريين المتقاعدين ويسعى الى توظيفهم في حساباته السياسية والشخصية، إما ليصنع بطولات وجماهيرية، وإما ليضغط على الرئيس سعد الحريري في ملف الموازنة».
ويشدّد المصدر على انّ حرّية الرأي والتعبير مكفولة في الدستور، «ولا توجد اي نيّة للتعرّض لها، لكنها يجب ان تكون محكومة في الوقت نفسه بحدود وضوابط تحت سقف الإنتظام العام، وبالتالي لا مشكلة مع الاعتصامات او التجمعات السلمية إذا بقيت ضمن هذا الإطار، أما أن يتم تحويرها وإخراجها عن طابعها الديمقراطي لتتخذ طابعاً عنفياً، فهذا أمر مرفوض كلياً».
وينبّه المصدر الى انّه من غير المسموح تكرار ما حصل في محيط السراي، «وهذا ما ينبغي ان يعرفه العسكريون المتقاعدون ومن يتلطى خلفهم».
وتعليقاً على بيان كتلة «المستقبل»، قال النائب العميد شامل روكز لـ»الجمهورية»: «ما عليهم سوى عدم المس بحقوق العسكريين المتقاعدين، «وعندها بيكونوا بلفونا وخربوا مخططاتنا». (مبتسماً)
ويلفت روكز الى «أنّ السراي الحكومي والقصر الجمهوري ومجلس النواب مقار لبنانية يُفترض ان تعبّر عن الشعب اللبناني ومصالحه، وبالتالي فانّ السراي الحكومي ليس ملكاً لـ»المستقبل» ولا هو محمية طائفية، ويحق للعسكريين المتقاعدين ان يتظاهروا ويعتصموا امامه دفاعاً عن حقوقهم».
ويشير روكز الى «انّ العسكريين العابرين للطوائف والمناطق هم أكثر من حافظ على مؤسسات الدولة وحماها. ولذلك نحن معنيون بكل حجر في السراي. وللعلم، فأنا خدمت نحو عام في محيط السراي قبل ان أنتقل الى معركة نهر البارد».
ويعتبر روكز، انّه «ينبغي على كتلة «المستقبل» وكل القوى السياسية ان تستوعب غضب العسكريين المتقاعدين وتتفهم دوافعه، وان تتعاطى معهم على أساس انّهم ابناء الدولة وليسوا أعداءها»، لافتاً الى «انّ تلويح بعضهم باقتحام السراي لا يتعدّى حدود صرخة الألم، علماً انّ عدداً من المتقاعدين وقف الى جانب قوى الامن الداخلي لمنع اي تقدّم في اتجاه السراي، وأنا شخصياً عارضت التقدّم نحوها».
ويتساءل روكز: «ماذا ينتظرون من عسكري يشعر أنّ حقوقه مهدّدة وهو الذي لم يبخل بأي تضحية وجهد من أجل بقاء لبنان وحماية الدولة؟ وهل العيب في أن يُطلق المتقاعدون صرختهم المدوية والمحقة؟ أم في ان يُطرح على طاولة مجلس الوزراء الغاء المال المخصص لأكاليل الزهور المتعلقة بمناسبات الشهداء؟ انّ مجرد البحث في الغاء اكاليل الزهور هو معيب بحق مجلس الوزراء».