فرنسا تتغيّر، ولكن ليس بالضرورة نحو الأفضل. اليسار الاشتراكي واليمين الديغولي خارج الفصل الحاسم في اللعبة الرئاسية. الأول صعد مع الرئيس فرنسوا ميتران وهبط مع الرئيس فرنسوا هولاند. وزاد في هبوطه تبادل الطعن بالسكاكين بين قادته، بحيث تعرّض مرشحه الرسمي بنوا هامون لهزيمة مذلّة. والثاني بقي التيار العميق والواسع الممسك بالرئاسة بعد الجنرال شارل ديغول في مسار الجمهورية الخامسة، مع استثناءات محددة. وهو أيضا أضعفه انحدار مستوى القادة وتبادل الكره والمؤامرات بينهم، بحيث أخذه الى انتزاع الهزيمة من بين فكّي النصر عناد مرشحه الرسمي فرنسوا فيون الذي استمر في الترشح بعد انكشاف فضائحه، وسدّ طريق الأليزيه على آلان جوبيه الذي تليق به الرئاسة.
وخلاصة الجولة الأولى هي تقريبا ما عكسته استطلاعات الرأي خلال المعركة: خيار الغاضبين أعطى هامشا مهما لليسار المتطرّف الذي يمثله جان – لوك ميلانشون. خيار الخائفين أوصل اليمين المتطرّف الى الجولة الثانية بسبعة ملايين صوت تقريبا لزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن. وخيار الذين ضاقت أمامهم الخيارات أعطى مساحة واسعة للوسط عبر شاب طموح قليل الخبرة والتجربة هو ايمانويل ماكرون.
وكل شيء يوحي ان ماكرون سيكون الرئيس العتيد، عبر الالتفاف حوله خوفا من كابوس لوبن. وهما معا بلا كتلة نيابية في البرلمان. ماكرون الذي أسس قبل سنة تيارا صغيرا اسمه الى الأمام يخوض المعركة على أساس انه لا يمين ولا يسار. ومارين لوبن يقول حليفها فلوريان فيليبوت ان الجبهة الوطنية ليست يسارا ولا يمينا.
لكن المعركة مصيرية بالنسبة الى اتجاه فرنسا ومستقبل أوروبا. مارين لوبن تخوض المعركة ضد العولمة المتوحشة وتريد اخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة واعادتها الى التعصب القومي الشوفيني. فضلا عن التشدّد في موضوع الهجرة واللجوء. وماكرون الذي عمل وزيرا للاقتصاد في عهد هولاند يريد اجراء اصلاح في المجتمع الفرنسي لأن اللامساواة هي وقود للتطرّف، حسب رسالة بعث بها الى هولاند وكانت سبب خروجه من الحكومة بضغط من رئيسها مانويل فالس. وهو حريص على تقوية الاتحاد الأوروبي مع اصلاحه، ويقدم نفسه كمرشح سيكون رئيس الوطنيين في مواجهة تهديد القوميين.
والواضح حاليا ان دومينو الخروج من الاتحاد الأوروبي سيتوقف بعد بربكسيت. فلا فرنسا تخرج منه. ولا العودة الى ما قبل العولمة مهمة سهلة. والمخاض قوي في أحزاب اليمين واليسار. ومصير الجمهورية الخامسة على المحك حين يرث ماكرون ثوب الجنرال ديغول.
ومن الأقوال المأثورة ان فرنسا صارت جمهورية قبل وقتها، وبقيت في العمق ملكية بعد وقتها.