Site icon IMLebanon

مستقبل إيران بين مسعود بزشكيان وسعيد جليلي

 

بعدما أعلن المتحدث باسم مركز الانتخابات بوزارة الداخلية الإيرانية، محسن إسلامي، انتهاء عملية فرز الأصوات في جميع مراكز الاقتراع، وحصول مسعود بزشكيان على 10 ملايين و415 ألفًا و191 صوتاً، بنسبة 42.5% من الأصوات، وحصول سعيد جليلي على 9 ملايين و473 ألفاً و298 صوتاً، بنسبة 38.6%، ومن ثم الانتقال لإجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 5 تموز المقبل لعدم تمكّن أي منهما حصد الأغلبية المطلقة من الأصوات؛ يمكن القول، أن إيران تعيش اليوم مرحلة حاسمة من تاريخها السياسي لوجود تنافس بين تيارين متناقضين في البلاد، هما التيار الإصلاحي المتمثل بمسعود بزشكيان والتيار المحافظ المتمثل بسعيد جليلي، خصوصاً في ظل تزامن هذه الانتخابات أزمات جيوسياسية كبرى متعددة تشمل الملف النووي الإيراني، والحرب الروسية – الأوكرانية، وتوسّع دور إيران في الشرق الأوسط، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وحصول الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ فعلى الرغم من أن صلاحيات رئيس الجمهورية الجديد ليست مطلقة في إيران، إلّا أن اختلاف برنامَج كل فائز، وبالتالي كل تيار، سيؤثر بكل تأكيد على توجهات المنطقة الشرق أوسطية مستقبلاً، لا سيما نتيجة الاختلاف في سياسة المرشحين الخارجية.

أولاً: برنامَج الإصلاحي المتسامح مسعود بزشكيان:

إنّ مسعود بزشكيان، هو طبيب جرّاح يبلغ من العمر 69 عاماً، ويُعد وجهاً جديداً في معسكر الإصلاحيين؛ وُلد في مدينة مهاباد الواقعة في محافظة أذربيجان الغربية، ويتحدث الأذرية والكردية، مما يشكّل حافزًا له للدفاع عن الأقليات القومية، كما تربّى في كنف عائلة متواضعة وتعلّم الالتزام بالقيم الدينية والتسامح. وتولّى حقيبة وزارة الصحة في حكومة خاتمي الإصلاحية من عام 2001 وحتى عام 2005، ومنذ عام 2008 يمثل مدينة تبريز في البرلمان. كذلك، يُعرف بزشكيان بانتقاداته للحكومة، خاصة خلال الحركة الاحتجاجية التي أثارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في أيلول 2022 بعد توقيفها بدعوى سوء الحجاب.

وبالنسبة لبرنامج بزشكيان الانتخابي، فعلى صعيد السياسة الداخلية، فإنه يركّز على تحسين الاقتصاد والظروف المعيشية للفئات الأكثر حرماناً، ويدافع عن حقوق الأقليات، ويشدّد على أهمية إنهاء الخلافات بين القِوَى السياسية الداخلية، مشيراً إلى أن هذه الخلافات هي السبب الرئيسي لمآزق البلاد، كما أنه يعد بتقديم خدمات صحية وتعليمية أفضل للمواطنين.

 

أما على صعيد السياسة الخارجية، فإنه يدعو إلى تحسين العلاقات مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، بهدف رفع العقوبات الاقتصادية التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، ولذلك فإنه يتعهد بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع واشنطن لإحياء المحادثات حول البرنامَج النووي الإيراني المتوقفة منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق الدَّوْليّ بعد ثلاث سنوات على إبرامه، كما يؤكد بزشكيان على مسألة أن رفع العقوبات ستسهم في تحسين حياة الإيرانيين واقتصادهم ونقدهم بشكل كبير. أما على صعيد تطوير المجتمع ومنح المواطنين مزيداً من الحقوق والحريات، فإنه يعارض بشكل كبير استخدام العنف من قبل الشرطة لفرض إلزامية الحجاب، ويندّد بأي سلوك عنيف تجاه النساء، كما يدعو إلى احترام حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الفردية، خصوصاً عند الأقليات.

ثانياً: برنامَج المحافظ المتشدّد سعيد جليلي:

إن سعيد جليلي، البالغ من العمر 58 عاماً، وُلد في مدينة مشهد، شمال شرقي إيران، في السادس من أيلول 1965 ونشأ في كنف عائلة تقيّة من الطبقة الوسطى، وقد عُرف بقيامه بإدارة المفاوضات في الملف النووي بين 2007 و2013، وتوسّمت فيه صورة المفاوض، الصلب الموقف في وجه الغرب، الذي يخشى الأخير منه في المقام الأول سعيه لحيازة إيران للسلاح النووي؛ كذلك، فقد انتقد جليلي بشدّة الاتفاق النووي الذي أبرم في عهد الرئيس المعتدل حسن روحاني (2013-2021)، معتبراً أنه انتهك الخطوط الحمراء لطهران بقبوله عمليات تفتيش غير معهودة للمواقع النووية الإيرانية، ولا يزال على موقفه هذا.

أما على صعيد سياسته الداخلية، فإنه يركّز على الحفاظ على القيم الإسلامية وتعزيز السيادة الوطنية، بعيداً عن التدخّلات الأجنبية، كما يدعم الالتزام الصارم بالقوانين الإسلامية، ويعارض أي تغييرات قد تؤدّي إلى تقليص هذا الالتزام. أما على صعيد السياسة الخارجية، فكما سبق وذكرنا فإنه يعارض بشدّة أي تقارب مع الغرب، ويرفض الاتفاق النووي، مؤكداً أن إيران يجب أن تحافظ على استقلاليتها وسيادتها بعيداً عن التأثيرات الأجنبية؛ علماً بأنه يسعى في الوقت نفسه لتعزيز العلاقات مع الدول التي تتفق مع التوجهات الإيرانية، مثل روسيا والصين.

 

أما على صعيد تطوير المجتمع الإيراني والحريات، فإنه يدعم الالتزام الصارم بالقوانين الإسلامية، ويعارض أي تغييرات قد تؤدي إلى تقليص هذا الالتزام؛ كما أنه يدعو إلى تعزيز القيم الإسلامية في المجتمع ومقاومة الضغوط الغربية للتغيير.

ثالثاً: الانتقادات الموجّهة من كل مرشّح لبرنامج الآخر

خلال المناظرة الرئاسية التي جرت بين المرشحين الرئاسيين على شاشة التلفزيون الإيراني العام والتي استمرت لأكثر من ساعتين، انتقد فيها المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان منافسه المحافظ سعيد جليلي، بزعمه أنه يفتقر إلى الخبرة، وأنه لم يقم بإدارة أي شركة على الإطلاق مما يجعله غير قادر على إدارة البلاد. كما سأل بزشكيان منافسه جليلي عن خططه للتوصل إلى اتفاق نووي، فأجاب الأخير بأنه سيتعامل مع الأمر على أساس القوة وليس الضعف، في إشارة منه إلى ضعف طريقة التيار الإصلاحي في التفاوض مع الغرب.

 

ومن ثم قام جليلي، الملقّب بـ«الشهيد الحي» بعد أن فَقدَ ساقه في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، والمشهور بين الدبلوماسيين الغربيين بمحاضراته الوعظية ومواقفه المتشددة، بالدفاع عن نفسه مسلّطاً الضوء على مسيرته المهنية والعديد من المناصب التي شغلها، بما فيها كبير المفاوضين النوويين واستطرد قائلاً بأن بزشكيان ليس لديه خططاً لإدارة البلاد، وأن رئاسته ستدفع البلاد إلى وضعية متخلّفة، كما كانت في عهد الرئيس السابق حسن روحاني على حد قوله، ملمّحاً أن الأخير لم ينجح في سياسته الخارجية لأنه أبرم اتفاقاً نووياً مع القِوَى العالمية، ووضع حدّاً لتخصيب اليورانيوم الإيراني مقابل رفع العقوبات، ولكن في وقت لاحق، وتحديداً عام 2018، قرر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق التاريخي، مما أعاد فجأة العقوبات القاسية على إيران وبذلك جعلها مكبّلة بالقيود دون مقابل.

ومن ثم أعلن جليلي أنه بدعم الشعب الإيراني سيحقق لدولته نمواً اقتصادياً بنسبة 8% سنوياً، وهو الوعد الذي سخر منه بزشكيان، قائلاً إنه يجب السماح للسلطات «بإعدامه إذا فشل» في الوفاء به.

 

إلّا أن جليلي تجاهل ذلك، قائلاً أنه يجب على إيران أن تنفذ سياسة خارجية ديناميكية إن أرادت أن يكون لها اقتصاداً ناجحاً، وأن لا يقتصر ذلك على تحسين العلاقات مع الدول التي لديها مشكلة معها، في إشارة منه إلى الولايات المتحدة والعالم الغربي، وإنما من وجهة نظره يتوجب على إيران أن تنظر إلى 200 دولة أخرى في العالم، يتعيّن عليها أن تقوّي علاقاتها بها؛ وهنا ردّ بزشكيان موضحاً أن سياسته الخارجية بالتأكيد سترتكز على التواصل مع كل دول العالم، ولكنه ينوي الانخراط في مفاوضات مع الدول التي تفرض العقوبات الاقتصادية على إيران لرفعها عنها.

إن استعراض ما تقدم وَحْدَهُ، والألفاظ والتعابير المستخدمة، كافٍ بحد ذاته ليظهر مدى شدّة التنافس القائم بين المرشحين الرئاسيين وتياريهما المتناقضين.

ختاماً، إنٍ مستقبل إيران هو على المحك، فمع اقتراب موعد الجولة الثانية من الانتخابات، يبقى مصير إيران مرهوناً بقدرة بزشكيان وجليلي على جذب الناخبين وتحديد مسار البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فضلاً على أن نجاح بزشكيان قد يعني انفتاحاً أكبر على الغرب وإصلاحات داخلية قد تخفف من حدّة التوترات الداخلية، في حين أن انتصار جليلي قد يكرّس النهج المحافظ الصارم الذي يشدّد على الاستقلالية والسيادة الوطنية، ولكنه ينعكس سلباً على الاقتصاد المتأزّم.

وبناءً عليه، وفي ظل الأزمات الجيوسياسية المحيطة بإيران، سيتابع العالم كلّه هذه الانتخابات الرئاسية عن كثب، وبالأخص الغرب الذي يرغب بمعرفة توجهات إيران في المرحلة المقبلة؛ لا سيما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتل مكانة محورية في العديد من القضايا الدولية، بدءاً من الأزمة النووية وصولاً إلى دورها الإقليمي المتنامي، لا سيما في العراق وسوريا واليمن، ومروراً بنزاعات المنطقة، وبالأخص في الحرب الإسرائيلية على كل من فلسطين وجنوب لبنان. ولذلك، فإن برنامَج الرئيس الإيراني الجديد سيحدّد ماهية التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى التي ستواجه المنطقة برمّتها، وماهية الظروف المعيشية للمواطنين الإيرانيين، ومدى تصاعد التوترات الداخلية والخارجية وفقاً للنهج والخط الذي سوف يسلكه.