من الواضح مما ينقله الإعلام لنا عن زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أميركا أنها زيارة تاريخية. من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان يزور أميركا – الدولة وليس الإدارة الأميركية. ومن الجلي أكثر أن هذه الزيارة تبدو للراصد عن بعد زيارة دولة لدولة وليست زيارة مسؤول سعودي كبير لمسؤولين أميركيين كبار!
العلاقات السعودية – الأميركية تمر بين حقبة وأخرى باضطرابات ومنعطفات حادة. مرات عدة خلال الـ80 عاماً الماضية تعرضت علاقة البلدين لتحديات حقيقية، بدى بعضها وكأنه نقطة اللاعودة. وفي كل مرة، كان كثير من المراقبين السياسيين يذهبون إلى أن هذه المرة هي المرة الفاصلة! لكن وعلى رغم ذلك، كان طائر الفينيق يتخلق من جديد من رماد كل أزمة عابرة.
يعرف السعوديون أن أميركا حليف موثوق، فعلى مدى الـ80 عاماً الماضية كانت خلافات البلدين تتمحور في نقاط محددة لم تتغير وكانت مشتركاتهما ونقاط اتفاقهما تتطور وتكبر عاماً بعد عام.
تختلف الدولتان في قضايا معدودة مثل موقفيهما من القضية الفلسطينية. خلاف عميق دائم، لكنه مُتفهَم. موقفان متضادان على طول الخط، لكنهما معلنان وواضحان وتحت الشمس. ولعل ما يجعل من هذا الخلاف «صيغة اتفاق في شكل ما» هو أن كلا البلدين ثابت على موقفه الأساسي خلال هذه المدة الطويلة، الأمر الذي نفى وظل ينفي «لعبة المؤامرة والمراوغة» بين البلدين في علاقاتهما المشتركة.
وفي مقابل هذا الخلاف الرئيس وغيره من الخلافات الصغيرة الأخرى، هناك العشرات من المشتركات بين البلدين التي لم تتأثر بتوالي الملوك على الحكم السعودي وتغيّر الإدارات الأميركية كل أربع أو ثمان سنوات. ظلت العلاقات بين البلدين مثالاً حياً على علاقة استراتيجية ناجحة بين دولتين لا تربطهما مسارات تاريخية محددة قبل تشكلهما ولا انتماءات عرقية أو طائفية أو دينية مفروضة سلفاً بحكم حوادث تاريخية أو عوامل جيوسياسية.
السعودية كدولة متوسطة عالمياً وكبيرة في إقليمها تحتاج دائماً إلى حليف دولي موثوق كأميركا ليكون قنطرة لحشد التأييد العالمي لمواقفها المختلفة في قضاياها الإقليمية. وأميركا الدولة العظمى تحتاج في كل منطقة عالمية إلى حليف موثوق يكون نقطة ارتكاز للدولة السوبر – باور لحماية مصالحها من جهة، وتيسير إدارتها للعالم من جهة أخرى.
الأمير محمد بن سلمان من خلال لقاءاته برموز السياسة والدوائر العسكرية والتشريع والتجارة والصناعة في أميركا يعيد تأسيس العلاقة بين البلدين من جديد في مرحلة الرؤية السعودية 2030. تعرف السعودية أن أميركا هي البلد «المتاح في كل وقت» والشريك الموثوق في إدارة برامج هذه الرؤية ودعمها بالخبرة والأدوات اللازمة لإنجاحها. وأميركا من جانبها تدرك أن هذه المرحلة السعودية هي إحدى المراحل التاريخية التي سيكون لها أكبر الأثر على الاقتصاد الأميركي خلال الـ15 سنة المقبلة.
ما هو واضح لنا أن السعودية تضيف نقطة اتفاق جديدة وتعقد صفقة «تمتين علاقات» مع أميركا في الـ15 سنة المقبلة، فما هو يا ترى مستقبل العلاقات السعودية – الروسية خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة نوعاً ما؟
في تقديري أن العلاقات السعودية – الروسية يجب ألا تخرج عن محددين رئيسين:
أولاً: على السعودية أن تتعامل مع روسيا على أنها دولة كبيرة لا دولة عظمى. دولة كبيرة ومهمة وقادرة على قلب الموازين في بعض الملفات العالمية، لكنها ليست كأميركا. ليست قطباً قادراً على موازنة العالم! هناك قطب واحد فقط وعشرات الدول الكبيرة، وبالتالي فإن التعاون معها في ملفات محددة ليس معناه التخلي عن أميركا. هي بالنسبة إلى السعودية مثل فرنسا وألمانيا والصين والهند وبريطانيا والبرازيل، مصالح متبادلة وثقة تصنعها الظروف والتجارب.
هذه هي ظروف روسيا اليوم حتى وإن حاول فلاديمير بوتين أن يجعل منها مقابلاً وجودياً لأميركا، فمن سيأتي بعده سيعود مجدداً بالبلاد إلى سيرة بوريس يلتسن، لتبدأ الكفاح من جديد في بناء نفسها من الداخل بعد أن انهكتها تكاليف التمزقات الخارجية.
ثانياً: يعرف السعوديون أن عقد الاتقاقات الحصرية مع روسيا مسألة خطرة لسببين رئيسين: الأول هو أن فترتها الحالية التي تظهر فيها بمظهر القطب العالمي المقابل لأميركا لا يمكن أن تستمر في المستقبل القريب المنظور. فهي مثلما أشرت تغطي بجلد الأسد الواحد عدداً كبيراً من الضواري الجائعة التي قد تبدأ قريباً بأكل بعضها جوعاً أوعداوة. والثاني أن روسيا على مدى العقود القليلة الماضية ليست حليفاً استراتيجياً موثوقاً يمكن الاعتماد عليه في كل الأوقات. هي ليست «متاحة في كل حين» ولطالما انقلبت على حلفائها وتركت بلدانهم ملعباً للريح وأعواد المشانق.