تابع المسؤول نفسه في “إدارة” تتعاطى مع شؤون السودانَيْن الشمالي والجنوبي في الإدارة الأميركية شرح ما حصل بعدما ذهب سلفا كير رئيس الجنوب ورياك مشّار إلى الحرب، قال: “في البداية كاد مشّار أن يحتل جوبا عاصمة دولة جنوب السودان. لكن أوغندا أَرسلت في حينه وحدات عسكرية لمساعدة سلفا كير. ولم نفهم فعلاً لماذا قدَّم الأوغنديون هذه المساعدة. قيل يومها إن السبب كان الخطر الذي يشكِّله مشّار ومقاتلوه على بلادهم. المهم في ذلك أن هؤلاء نجحوا في النهاية في مساعدة كير وجيشه لاستعادة جوبا على نحو شبه تام. طبعاً تمّ التوصل في حينه إلى اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار وإلى اتفاقات على حلول. لكنها لم تنفَّذ كلها. فالمشكلة بدت معقَّدة، وبدا أن لا حلول جدية في الأفق، وأن الحرب قد تستمر وقد تتحوّل حرباً إتنية. البشير طبعاً، رئيس دولة شمال السودان، قال إنه يقف مع الشرعية في دولة الجنوب أي مع سلفا كير، لكنه ربما كان يساعد في الوقت نفسه أعداءه مثل مشّار وأنصاره لأنه رأى في ذلك مصلحة له أي لحكمه ولنظامه. وكان ما يريده فعلاً، أي هدفه الفعلي، إبقاء عدم الاستقرار مسيطراً على دولة الجنوب، ومنع سيطرتها الكاملة على مناطقها النفطية التي هي المناطق الوحيدة التي يوجد النفط في باطن أرضها. في دولة الجنوب هناك قواعد عدة لقوات عسكرية صينية تعمل في إطار الأمم المتحدة. وهي القوة غير الأفريقية الوحيدة في تلك الدولة. كما أن للصين هناك مهندسين وعمال”. قلتُ: في دولة شمال السودان هناك البشير رئيسها، وهناك أحزاب تقليدية غير إسلامية وأخرى إسلامية أبرزها الحزب الذي يتزعمه التُرابي وتنظيمات أخرى عدة. ولا يبدو أن الاستقرار هو سمة الوضع فيها. ماذا يمكن أن يحصل فيها في رأيك. هل تشهد عنفاً أو حرباً أو انقلاباً؟ أجاب: “الأحزاب التقليدية موجودة. لكنها غير جدية بما فيه الكفاية. فهي يوماً مع البشير ومشاركة في السلطة ويوماً ضدَّه وخارجها. ومعايير تقلُّب مواقفها معروفة أبرزها المغانم والمكاسب. التُرابي وحزبه مثلها. فهو أيضاً يوماً داخل الحكم ويوماً خارجه. وإسلاميّوه هم “إخوان مسلمون”. وحتى الآن لا يبدو أن في شمال السودان إسلاميين متطرفين ومتشددين مثل “داعش” و”النصرة” والقاعدة وغيرها. ليس عند المسؤولين فيه سياسة رسمية لتهريب السلاح والرجال إلى مصر أو إلى ليبيا. لكن أفراداً من مواطنيه يفعلون ذلك. وطبعاً الأمن في السودان (الشمالي) غير مستقر”. علَّقتُ: قيل مؤخراً إن الرئيس البشير تحدّث عن اعتزامه الاستقالة من منصبه. وقيل أيضاً إن جماعة إسلامية داخل حزبه هي التي طلبت منه التنحِّي عن السلطة أو ستطلب منه ذلك. لكنه فجأة اتخذ إجراءات معيّنة وسيطر على الجميع ومدَّد لنفسه دستورياً أي بواسطة الانتخابات. ما تفسيرك لذلك؟ أجاب: “هذا ما حصل طبعاً. أتى البشير إلى السلطة بتفاهم مع التُرابي وحزبه الإسلامي (“الإخواني”) ثم اختلف معه، فسيطر على الجيش الذي كان أحد قادته أو ضباطه وحَكم البلاد. جدَّد لنفسه أكثر من مرة، ولا أتصوَّر أن انتخاباته كانت حرة، وأن التي سيجريها ستكون حرة بدورها وخصوصاً في بلاد يحكمها حزب واحد ورئيس مستبدّ ولا ديموقراطية فيها”. سألتُ: هل تتوقع انقلاباً في دولة شمال السودان أو حرباً أهلية؟ أجاب: “عندما تتوقَّع انقلاباً فإنه لا يحصل أو يكون قد حصل. لا أحد يعرف. لكن الحرب الأهلية التي قُلت إنك سمعت في زياراتك السابقة لواشنطن عن احتمالات نشوبها لا يمكن نفي وقوعها أو تأكيد وقوعها. الوضع سيّىء جداً في هذه الدولة. الدولة الفعلية غائبة والميليشيات هي المسيطرة. البشير رئيسها اختار التعامل مع الميليشيات والمسلحين واختار الفساد وهو يستعمله لاستمرار سيطرته وسلطته وإحكامهما. والمستقبل لا أحد يعرفه. مشكلة شمال السودان كما السودان كله (الجنوب) بالغة التعقيد”.
ماذا في جعبة مسؤول في “إدارة” مهمة تتعاطى مع الوضع في مصر داخل الإدارة الأميركية؟
في بداية اللقاء سألتُ: ما الذي يجري في مصر؟ وأضفت: في رأيي أن رئيسها عبدالفتاح السيسي بقمعه المنهجي لـ”الإخوان المسلمين” في بلاده وعددهم يراوح بين ستمائة ألف عضو ومليون، يُحوِّلهم إرهابيين. وقلتُ إنه ربما يريد أن يكون ناصراً آخر أو ربما سادات آخر ولا يمتلك “قماشة” أي منهما. فضلاً عن أن ظروفه مختلفة عن ظروفهما. بماذا أجاب؟