لم تكد القوى المسيحية في بيروت توحّد جهودها لتسمية الأعضاء الاثني عشر حتى بدأ تيار المستقبل بزرع الألغام في طريقها، وفيما «يلعّب» قوى 14 آذار والتيار الوطني الحر على الحبلين، فتح منذ يومين جبهة أخرى تطل على مطرانية بيروت الأرثوذكسية عبر فرض اسم مرشحه لمنصب نائب الرئيس
في حسابات تيار المستقبل، مجلس بلدية بيروت كما الوزارات وسوليدير والدالية ووسط بيروت، شركات خاصة يعيّن فيها موظفيه لتبقى «حنفياتها» بيديه. على هذا الأساس، دأب على تسمية غالبية أعضاء المجلس البلدي.
أحرج تحالف التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية «المستقبل» هذا العام، فاقترح التيار الأزرق لائحة ائتلافية تضم كل الأحزاب والقوى، تفاديا لمعركة و»شدّ عصب مسيحي» غير محسوب النتائج. في المبدأ، كان الاتفاق على تسليم «حصة المسيحيين»، أي 12 عضواً من أصل 24، الى حزب القوات ووزير السياحة ميشال فرعون للتشاور مع حزب الكتائب والتيار الوطني الحر ومطران بيروت للأرثوذكس الياس عودة، لكن سريعا، عاد الحريريون عن هذا الطرح وبدأوا «اللعب على الحبلين»: يرفعون أيديهم عن الحصة المسيحية صباحا، ويعيدونها ليلا تحت عنوان عدم حصر تمثيل «المستقبل» بالطائفة السنية من منطلق أن للتيار الحصة المسيحية النيابية الأكبر في بيروت. انعكس ذلك سلبا على المفاوضات مع التيار الوطني الحر، وباتت الحصة تصغر وتكبر بحسب الأهواء الحريرية التي ينقلها مسؤول القوات في بيروت عماد واكيم. فيما فضّل كل من الطاشناق والكتائب عقد «صفقتين جانبيتين» مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، تضمن بقاء الأعضاء الأرمن على ما هم عليه وتضمن وصول عضوين كتائبيين الى المجلس. ليبقى الأعضاء الآخرون معلقين من ناحية العدد والحصص الى حين رسوّ «المستقبل» على خيار من اثنين: إما ترك القوى المسيحية تسمّي مرشحيها، وعدم التدخل تالياً، وإما اعادة تشكيل مجلس مشابه لمجلس عام 2010، أي من دون التيار الوطني الحر، وبلا «وجع رأس» مع الحلفاء في 14 آذار.
عقدة الأعضاء الاثني عشر قابلتها أخيرا عقدة أخرى تتمثل بمنصب نائب الرئيس. في الأعوام السابقة، كان المطران الياس عودة يسمّي نائب الرئيس أو أقله يحتفظ بالكلمة الفصل من ناحية ابداء الفيتو على هذا وقبول ذاك. كان الأعضاء الأرثوذكس «يُعيَّنون» بالتوافق بين المطران و»المستقبل»: يعرض التيار على عودة لائحة أسماء ليختار 4 منها (حصة الأرثوذكس في البلدية)، فيدّعي الحريريّون أن المطران سمّى الأرثوذكسيين.
التوافق على الأعضاء المسيحيين أسهل من التوافق على المخاتير
لكنهم هذا العام قرروا التحايل على المطران وفرض مرشحهم عليه، اذ تقول المعلومات ان الحريري أرسل النائب عاطف مجدلاني اليه وفي جعبته اسم غابي فرنيني لمنصب نائب الرئيس. وفرنيني مدير سابق لمصرف، وتولى مسؤولية ادارة حسابات الوقف، الأمر الذي شجع الحريري على اقتراحه كونه قريباً من المطران، ولأن الرئيس السابق للحكومة يجد في «فرنيني» شبيهاً لمرشحه لرئاسة البلدية جمال عيتاني. فالاثنان سيبرعان حتما بالتنسيق لادارة «شركة مجلس بلدية بيروت». الا أن عودة فاجأ مجدلاني بالاصرار على تعيين ايلي أنْدرِيا ورفض التداول بأي اسم آخر. أما اندريا، فغير محبب لدى كوادر التيار كونه عمل في المجلس البلدي لمدة 20 سنة وشغل منصب رئيس دائرة المراقبة قبل أن يعينه المحافظ منذ عامين مديرا لمصلحة الهندسة. وتقول أوساط المطران إن «بعض كوادر «المستقبل» يسعون لاطاحته لإيصال رجل قريب منهم. فأنْدرِيا ملمّ بتفاصيل الوضع البلدي ويدرس ملفه جيدا ويلتزم بالقوانين. والنقطة الأخيرة سوداء على سجله برأي كوادر المستقبل»! هكذا نشأت «عقدة مسيحية» أخرى، لتحول دون ابصار اللائحة الائتلافية النور، قبيل تسعة ايام على اقفال باب الترشيحات. وتشير مصادر قريبة من المطرانية في هذا السياق، إلى أن «هذه العقدة لن تطول اذ لا يمكن الوقوف في وجه رغبة المطران». على المقلب الآخر، يتابع فرعون اجتماعاته مع القوات والكتائب من جهة، فيما يتابع واكيم اجتماعاته بالتيار الوطني الحر ممثلا بالوزير السابق نقولا صحناوي في انتظار كلمة فصل من «المستقبل». الا أن ذلك لم يحل دون التداول ببعض الأسماء ووضع آلية موحدة لاختيار المرشحين، منها أن يكون المرشح بعد فوزه متفرغا للعمل البلدي. ويدور الحديث هنا عن ترشيح القوات لنجل جورج راغب حداد، عوني سابق، ووضعهم فيتو على اسم العضو الحالي ايلي حاصباني الذي سموه بأنفسهم في المرة الماضية. فرغم أن حاصباني من أنشط الأعضاء وأكثرهم مراقبة لعمل الرئيس ودقته كبيرة، الا أن ترشح شقيقه غسان للنيابة وضعه خارج التداول، لكونه منافسا رئيسيا لواكيم. من جهة أخرى، يتداول العونيون بمجموعة أسماء من بينها جوزيف طرابلسي (نجل القسيس ادكار طرابلسي، مسؤول الاعلام في التيار)، غبريال مراد (اعلامي في الـ «أو تي في» وصوت المدى)، المهندس غسان زاخر، المحامي الياس عباس وجان كلود غصن. وتقسم «حصة المسيحيين» في البلدية على الشكل الآتي: 4 أرثوذكس، 2 موارنة، 1 كاثوليك، 1 أقليات، 1 سريان، 1 أرمن كاثوليك، 2 أرمن أرثوذكس. تبقى العقدة الرئيسية في المجلس الاختياري، اذ تقول مصادر قوى 14 آذار ان «حلّ مشكلة المرشحين يفترض أن يتبلور الأسبوع المقبل، انما الأصعب هو التوافق حول المخاتير. فهناك تتفرع القوى والمطالب ما بين القوات والتيار الوطني الحر والكتائب وفرعون والمرشح مسعود الأشقر ورجل الأعمال أنطون الصحناوي. ما يعزز فرضية التوافق في المجلس البلدي واجراء انتخابات حقيقية في المخترة».