على الرغم من أنّ التمديد لمجلس النواب الحالي صار حقيقة ملموسة ستتظهّر بشكلها الرسمي والواضح في الأسابيع القليلة المُقبلة، فإنّ الكثير من الجهات السياسيّة تتحدّث عن قرب ولادة القانون الجديد المنشود للإنتخابات النيابية المُقبلة. فهل هذا التفاؤل في محلّه؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ أجواء التفاؤل التي جرى تعميمها في الأيام والساعات القليلة الماضية بشأن قانون الإنتخابات الجديد مَبنيّة على تقدّم واضح في المُحادثات القائمة على أكثر من مُستوى، ضُمن قيادات الصفّين الأوّل والثاني للأطراف السياسيّة الأساسيّة التي أوكل إليها إنجاز القانون الموعود، لكنّ هذا التقدّم لم يبلغ بعد مرحلة حاسمة في ظلّ إستمرار وجود الكثير من نقاط التباين، الأمر الذي يَستوجب عدم الإفراط في التفاؤل. وأوضحت هذه الأوساط أنّ مجموعة من الأسباب مُجتمعة دفعت مُختلف الأطراف والقوى السياسيّة إلى التعامل بجدّية أكبر مع ملف قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبل، بدءاً بالمَوقف الحازم لرئيس الجمهوريّة برفض التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، مروراً بالضغط الكبير الناجم من عامل مُرور الوقت نحو إنتهاء ولاية المجلس الحالي المُمدّدة وبالتالي الخشية من الوقوع في فراغ على مُستوى السُلطة التشريعيّة، وُصولاً إلى إقتناع أغلبيّة القوى بإستحالة المُوافقة على إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ حالياً.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ التقدّم الأبرز على خطّ المُفاوضات تمثّل في مُوافقة «تيّار المُستقبل» بشكل واضح على مبدأ التصويت النسبي في أيّ قانون مُقبل، وهذا الأمر يُعتبر تجاوزاً لإعتراضات سابقة في هذا المجال، حيث كان «التيّار الأزرق» يرفض مبدأ النسبيّة بحجّة عدم جواز تطبيقها في ظلّ إمتلاك «حزب الله» للسلاح. وأضافت أنّ مُوافقة «المُستقبل» ليست صُوريّة أو إعلاميّة، حيث جرى نقلها بصراحة ووضوح إلى باقي الأفرقاء على طاولة المُفاوضات، بحيث إنتقلت المُحادثات من مرحلة مُناقشة المبدأ الإنتخابي إلى مرحلة البحث في التفاصيل والتقسيمات، وفي درجة التصويت النسبي من إجمالي عدد النوّاب، إلخ. وأشارت الأوساط إلى أنّ هذه الخطوة «المُستقبليّة» شكّلت تمايزاً واضحاً عن موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي كان حتى الأمس القريب يرفض مبدأ التصويت النسبي.
لكنّ الأوساط السياسيّة المُطلعة عينها نبّهت إلى ضرورة عدم الإفراط في إشاعة أجواء التفاؤل، لأنّ المَواقف لا تزال مُتباعدة بين الأفرقاء المَعنيّين مع وجود «فيتوات» مُتبادلة، حتى بين الذين يُفترض أن يكونوا ضُمن الخط السياسي العريض الواحد! وأوضحت أنّ «تيّار المُستقبل» وافق على التصويت النسبي لكن ضُمن قانون مُختلط، بحيث يبقى جزء من الإقتراع قائماً على مبدأ التصويت الأكثري، ولوّ أنّه أبدى مُرونة إضافيّة إزاء عدد النواب الذين سيُنتخبون وفق التصويت النسبي وأولئك الذين سيُنتخبون وفق التصويت الأكثري. كما أنّ «المُستقبل» يُفاوض بليونة، لكن بنيّة التوصّل إلى صيغة تحفظ مصالحه الإنتخابية داخل بيئته الحاضنة، وتحفظ كذلك إنتشاره النيابي ـ الجغرافي العابر للطوائف ـ إذا جاز التعبير.
وأضافت الأوساط نفسها أنّ «تيّار المُستقبل» يلعب بذكاء على وتر التناقضات في مَواقف «الحلفاء» في الخط السياسي المُقابل له، حيث أنّه بفتحه المُناقشات على مبدأ التصويت النسبي على مصراعيها، أظهر تبايناً في المواقف بين «حزب الله» وما يُمثّله من قوى سياسيّة وحزبيّة ضُمن تحالف «8 آذار» لجهة المُطالبة بتطبيق مبدأ النسبية الكاملة على إعتبار لبنان دائرة واحدة، وبين «التيّار الوطني الحُرّ» الذي وبعكس بعض التصاريح الإعلامية لعدد من مَسؤوليه، يطرح في غرف التفاوض المُغلقة مبدأ النسبية غير الكاملة، أي المُوازية للتصويت الأكثري، بغضّ النظر عن النسبة النهائية التي سترسو عليها المُفاوضات الخاصة بهذا النوع من القوانين الإنتخابيّة المُختلطة.
وتابعت الأوساط نفسها أنّ «تيّار المُستقبل» يلعب أيضاً على التناقض بين موقف «حزب الله» والقوى الحليفة له، لجهة المُطالبة بالتصويت خارج القيد الطائفي بغضّ النظر عن طبيعة التصويت أكان أكثرياً أم نسبياً، ولجهة توسيع الدوائر الإنتخابيّة قدر المُستطاع، وموقف «التيّار الوطني الحُرّ» الذي لا يُحبّذ الدوائر الإنتخابية الكبرى في التصويت الأكثري، ولا يُريد لبنان دائرة واحدة في التصويت النسبي، والذي يحرص على التصويت الطائفي في جزء من القانون المُقبل، حفاظاً على مصالح الناخبين المسيحيّين الذين تحوّلوا إلى أقليّة لا تتجاوز 35% من إجمالي الناخبين اللبنانين المُسجّلين على لوائح الشطب. وأضافت الأوساط نفسها أنّ «تيّار المُستقبل» الذي يُدرك أنّ مصلحة «تيّار المردة» مثلاً هي بحصر دائرته الإنتخابيّة وفق التصويت الأكثري بين زغرتا والكورة، وأنّ مصلحة «الحزب التقدمي الإشتراكي» مثلاً هي بتوسيع دائرته الإنتخابية لتضم الشوف وعاليه، يلعب أيضاً ورقة توحيد المعايير في أي قانون إنتخابي مُقبل، لمنع خُصومه من إستهدافه في مناطق ثقله الانتخابي.
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها كلامها بالتشديد على أنّ زخماً واضحاً سُجّل في الأيام القليلة الماضية على خط قانون الإنتخابات المُقبل، لكنّ العقبات والتباينات التي لا تزال قائمة كبيرة، تجعل من المُستحيل التوصّل إلى قانون انتخابي جديد خلال أيّام، حيث أنّ الأمر سيستغرق أسابيع طويلة، وربّما بضعة أشهر، من النقاشات والمُفاوضات المُستفيضة، بحسب تقديرها.