يخوض «تيّار المستقبل» الإنتخابات النيابية المقبلة، وهو يعلم مسبقاً أنّه سيخسر عدداً كبيراً من مقاعده النيابية. فمن أصل 26 نائباً تتألّف منها كتلة «لبنان أولاً» التي انتخبت في العام 2009 ولا تزال حالياً في المجلس النيابي بفعل تمديده لنفسه لثلاث مرات متتالية، تشير الإحصاءات المتعلّقة بنتائج تطبيق القانون النسبي وفق 15 دائرة للمرة الأولى في لبنان الى أنّها ستخسر حتماً بين 10 الى 13 مقعداً تتوزّع على الدوائر كافة.
ولهذا يحاول رئيس الحكومة ورئيس «تيّار المستقبل» سعد الحريري القيام بأكبر عدد من التحالفات الإنتخابية ليس لربح أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية بل لتدارك خسارة عدد كبير من المقاعد التي تتوقّع الإحصاءات أنّه سيخسرها حتماً. فالمستقبل الذي سيتمسّك بتسمية لوائحه حتى الآن «لبنان أولاً» سيحرص على أن يتحالف مع «التيّار الوطني الحرّ»، على ما تقول مصادره، حيث يُمكن لهذا التحالف أن يُكسبه في المقاعد في دوائر عدّة خارج بيروت لا سيما بعد التسوية السياسية التي حصلت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري، يُضاف اليها وقوف الرئيس عون الى جانبه خلال أزمة الإستقالة وإخراجه منها على خير وسلامة وبقائه على رأس الحكومة، وتجنيب البلاد أي إنتكاسة سياسية كادت تؤدّي اليها الإستقالة.
وصحيح بأنّه سيكون من الصعب على «تيّار المستقبل» أن يتحالف مع «حركة أمل» لسببين أوّلهما الخلاف الناشب حالياً بين عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والذي يُرجّح البعض أنّه سيستمر حتى موعد الإنتخابات، وثانيهما لأنّ «حزب الله» سيكون حليف «حركة أملّ» في الدوائر كافة سيما وأنّ الثنائي الشيعي قرّر أن يكون جسماً واحداً في سائر الدوائر، إلاّ أنّ المصادر أكّدت أنّ الحريري سيُقنع الأفرقاء بضرورة التحالف معاً لمصلحة الجميع، وذلك بفصل الخلاف السياسي عن التحالفات الإنتخابية، ويُبدي تمسّكه بالتحالف مع برّي.
ففي الدائرة الثانية من بيروت التي تضمّ 11 مقعداً (6 سنّة- 2 شيعة- 1 روم أرثوذكس- 1 درزي- و1 إنجيلي) يحتاج الحريري للتحالف اليوم مع برّي و«حزب الله» و«الحزب الإشتراكي» لضمان ربح مقعدي الشيعة والمقعد الدرزي، الى جانب المقاعد السنّة التي يضمن فوزه على الأقلّ بأحدها، على ما أكّدت المصادر في المستقبل ، من خلال الصوت التفضيلي الذي سيصبّ لصالحه، ويضمن مقعد الروم الأرثوذكس من خلال ترشيح النائب عاطف مجدلاني.
كما ان جمعيات الحراك ستخوض المعركة بلائحة ثالثة بمفردها، سيما وأنّها أعلنت أنّها لن تتحالف لا مع الحريري، ولا مع غيره.
وتقول المصادر إنّ الحريري من خلال تحالفه مع برّي سيتحالف مع الحزب ضمناً بهدف الفوز بالمقعدين الشيعيين، ما قد يُزعج السعودية، لكن يبدو أنّها لن تتدخّل في تحالفاته الإنتخابية، على ما ألمحت، بل ستترك له حرية الخيار خصوصاً وأنّها وافقت على التسوية وعلى وصول عون الى قصر بعبدا، وتنتظر فيما بعد النتائج. كما أنّه من خلال تحالفه مع «التيّار»، يطمح لعدم خسارة بعض المقاعد في دائرة بيروت الأولى.
وينطلق الحريري، بحسب رأي المصادر، من خلال التسوية التي أعادته رئيساً للحكومة ليفي بوعوده مع حلفائه الجدد، وإن على حساب خسارته لعدد من المقاعد النيابية، سيما وأنّه لا يريد أن يكون الممثّل الأول للسنّة فقط، بل زعيماً وطنياً يحظى بشعبية من سائر الأفرقاء، وإن لم يحظَ بأكبر كتلة نيابية. كما يريد ألّا تتمّ عرقلة المشاريع الإقتصادية والتنموية وتلك المتعلّقة بالنفط والغاز ما بعد الإنتخابات من قبل أي فريق. وبناء عليه، فإنّ تحالفه مع «التيّار الوطني الحرّ» في بيروت، لا سيما الدائرة الأولى منها التي تشمل «الأشرفية- الرميل- المدوّر- والصيفي» وتضمّ 8 مقاعد نيابية، قد يخسّر مقعدين، فإذا قرّر الحريري عدم التحالف مع فرعون الذي لا يستطيع التخلّي عن الحريري، ولا عن القوّات في الوقت ذاته، وقرّر بالتالي عدم التحالف مع الكتائب أو هي رفضت التحالف معه أيضاً كونها معارضة لسياسته، فسيضطر الحريري الى طرح مرشّح سنّي صاحب شعبية واسعة كون عدد الناخبين السنّة في هذه الدائرة يصل الى 13 ألف و60 ناخب، وهو يوازي عدد الناخبين الكاثوليك فيها (13 ألف و108 ناخبين)، فيما يصل عدد الناخبين الموارنة الى 17 الف و647 ما يُحتّم أيضاً على الحريري التحالف مع مرشّح ماروني يستطيع منافسة نديم الجميّل في هذه الدائرة.
ولأنّ الأرمن يلعبون دوراً كبيراً في هذه الدائرة إذ يُشكّل عدد ناخبي الأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك معاً 45 الفا و454 ناخبا، فإنّ تحالف الحريري مع الطاشناق كأقوى حزب بين الأحزاب الأرمنية الأخرى أي الهنشاك والرامغفار لا بدّ وأن يُكسبه المقاعد الأرمنية الأربعة، سيما وأنّ مرشحيه لهذه الدائرة هم الوزير جان أوغسبيان، والنائب سيرج طورسركيسيان وسيبوه قلبكيان، ومرشّح رابع. وعن مقعد الروم الأرثوذكس، تقول المعلومات أنّ النائبة نايلة تويني هي الأقرب لأن تكون على لائحة الحريري أو 14 آذار وتفوز بالمقعد. كذلك الحال بالنسبة للنائب دو فريج فيما يتعلّق بمقعد الأقليات من السريان الكاثوليك، واللاتين والإنجيليين الذين يُمثّل ناخبوهم ما نسبته نحو 9,83 % من عدد ناخبي الدائرة. ويبقى 1,99% لعدد ناخبي الشيعة.
رغم ذلك تُرجّح الإحصاءات بأنّ «تيّار المستقبل» سيخسر على الأقل مقعداً من أصل 9 كانت له في الدائرة الثانية والتي تضمّ 11 مقعد. ففي انتخابات العام 2009 حصل على 6 مقاعد للسنّة من أصل 6، وعلى مقعد شيعي من أصل 2 (النائب غازي يوسف)، وعلى المقعدين الأرثوذكسي والإنجيلي، فضلاً عن فوز النائب غازي العريضي عن الحزب الإشتراكي بالمقعد الدرزي كونه صديق للمستقبل. أمّا في الإنتخابات المقبلة فقد يخسر مقعد أو اثنين من أصل مقاعده التسعة.
في المقابل، فإنّ تحالف الحريري مع «القوّات اللبنانية» في الدائرة الأولى ضروري جدّاً، كما مع «الطاشناق» اللاعب الأقوى فيها لكي يُحافظ فريق 14 آذار على أكبر عدد من مقاعدها الـ 8. إلاّ أنّ التحالفات في الدائرة الثانية ستكون أكثر تعقيداً إذا ما قرّرت بعض الأحزاب التي يريد الحريري التحالف معها أن تبقى خارج لائحته. أمّا إذا أصرّ الحريري على خوض معركة بيروت الى جانب «التيّار» من دون «القوّات» فهو سيخسر بعض المقاعد فيها، على أمل أن يُعوضا هذه الخسارة معاً في دوائر الشمال أي «بشرّي- زغرتا- الكورة والبترون»، و«عكّار»، فضلاً عن اكتساح مقاعد دائرة زحلة لا سيما مع تحالفهما مع الكتلة الشعبية.