بعد غياب لمدّة ثلاثة أسابيع إنعقد مجلس الوزراء بمشاركة مختلف القوى السياسيّة، باستثناء ممثّل «تيّار المردة» الوزير روني عريجي بداعي السفر وليس المقاطعة، ولم يتمّ حصر النقاش بمسألة التعيينات الأمنيّة كما كان يُطالب «التيّار الوطني الحرّ»، والأخطر بالنسبة إلى «العونيّين» أنّه جرت محاولات فعليّة لتجاوز التوافق السابق الذي كان قضى بنقل سُلطات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً، بسبب شغور منصب الرئاسة. فما سرّ هذه الإندفاعة «المُستقبليّة» وإلى ماذا ترمي؟
مصادر سياسيّة قريبة من «تيّار المُستقبل» أشارت إلى أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام ما كان ليُقدم على عقد الجلسة التي لن تكون يتيمة، إنّما ستليها جلسات أخرى، لو لم يتمكّن من نيل ما يُمكن وصفه بالضوء الأخضر المُزدوج. وأوضحت أنّ الضوء الأخضر الأوّل ناله من قيادة «تيّار المُستقبل» في خلال إتصالاته السياسية الأخيرة معه على أعلى مستوى، حيث أنّ «التيّار» قرّر الإنتقال إلى وضعيّة الهجوم بالمعنى السياسي، بعد أن بقي لفترة طويلة من الوقت في وضعيّة الدفاع أمام هجمات رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الإعلاميّة والسياسيّة. وأضافت أنّ الضوء الأخضر الثاني، ناله سلام ولو بشكل غير مُباشر، من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في خلال إجتماعهما يوم السبت 27 حزيران الماضي، حيث أنّ برّي حسم قراره لجهة تحريك عجلة مؤسّسات الدولة، وفي طليعتها عمل كلّ من مجلسي النوّاب والوزراء بمن حضر، من دون مراعاة الداعين للمقاطعة هنا وهناك لأسباب مختلفة.
وتابعت الأوساط السياسيّة القريبة من «تيّار المُستقبل» أنّ هذا الأخير قرّر عدم السكوت أمام تهجّمات «الجنرال» مهما بلغت حدّتها، حيث أنّه يرفض التهم المُوجّهة إليه لجهة تجاوز صلاحيّات رئيس الجمهورية أو ضرب مسألة الشراكة أو مسألة الميثاقية، ويُشدّد على أنّه من غير الطبيعي أو المعقول أو المنطقي تعليق إجتماعات الحكومة وشلّ الدولة، لأنّ عدداً من الوزراء يُطالب بجدول بحث وفق أولويّاته أو بفرض شخصيّة معيّنة في منصب مُحدّد! وأضافت أنّه على الرغم من خشية «المُستقبل» لما قد يُقدم عليه «الجنرال» من تصعيد سياسي وميداني، فإنّه مُصمّم على أن لا ترضخ الحكومة برئاسة سلام للضغوط، وعلى محاولة تأمين شبكة دعم سياسي واسعة لمجلس الوزراء تتضمّن أكبر قدر من القوى السياسيّة المختلفة. كما أنّ «المستقبل» سيحاول إقناع الحلفاء السياسيّين بفك القطيعة التي يُمارسونها لجلسات مجلس النوّاب، إنطلاقاً من نفس المبدأ الذي يُطبّقه بالنسبة إلى جلسات مجلس الوزراء، والمُتمثّل بتسيير عجلة الدولة وشؤون الناس.
وعلى خطّ مواز، قرّر «تيّار المُستقبل» ودائماً بحسب الأوساط السياسيّة القريبة منه، إيلاء مسألة الأمن والإستقرار في الداخل اللبناني عموماً، وفي المناطق المحسوبة عليه سياسياً خصوصاً، أولويّة مُطلقة. وهو مُصمّم على بحث مسألة «سرايا المقاومة» مع «حزب الله» بشكل جدّي ومُتواصل، على أمل الوصول إلى حلّ ما لهذه القضيّة التي يُطالب مُؤيّدو «المُستقبل» بحسمها نظراً إلى الحساسيّة التي تُشكّلها في بيئته الحاضنة. وفي السياق عينه، عُلم أنّ البحث في جولة الحوار رقم 14 التي إنعقدت أمس الأوّل في «عين التينة»، والتي سبقتها مائدة إفطار أقامها الرئيس بري للوفدين، تركّز في جزء كبير منه على حادث السعديّات الأمني الأخير، والذي يأتي بعد نحو ثلاث سنوات إلا بضعة أشهر من حادث مماثل وقع في المنطقة عينها في 25 أيلول 2012. وقد شدّد مُمثّلو «تيّار المُستقبل» إلى الحوار مع «حزب الله»، على أنّ عدداً من عناصر «سرايا المقاومة» يقومون باستفزاز الأهالي وبتصرّفات غير مُنضبطة مستقوين بالسلاح وبالدعم اللذين يتلقّونه، وطالبوا بإيجاد حلّ لهذه القضيّة في أسرع وقت، نظراً إلى حساسيّة الموضوع من الناحية الميدانية، ومنعاً لتكرار حوادث خطيرة على السلم الأهلي شبيهة بما حصل في السعديّات منذ بضعة أيّام.
في المقابل، عُلم أنّ ممثّلي «الحزب» في الجلسة الحوارية نفسها، نفوا الأبعاد الأمنيّة للحادث، ورفضوا الإتهامات التي وُجّهت إلى «الحزب» بإقامة منظومة أمنيّة متماسكة، وبالسيطرة بالنار على الخط الساحلي عبر مجموعة من النقاط المترابطة، منها نقاط في بيئات غير محسوبة على «الحزب» سياسياً ومذهبياً. وعلى الرغم من إقرار «الحزب» بوجود إحتياطات دفاعية مُعيّنة، فقد شدّد على أنّها غير مُوجّهة للداخل اللبناني على الإطلاق، بل ضدّ العدو الإسرائيلي حصراً، وأكّد أنّ هذه الإحتياطات غير ظاهرة ولا مرئيّة، مُعتبراً أنّ أيّ تصرّف فردي غير منضبط، من أيّ جهة آتى، يجب أن يُحاسب عليه المتورّطون به حصراً، ومن قبل الأجهزة الأمنيّة الرسميّة.
وتابعت الأوساط السياسيّة القريبة من «تيّار المُستقبل» أنّ التوافق كان حاسماً مع «الحزب»، على ضرورة تفعيل الإجراءات الأمنيّة الرسميّة في مختلف المناطق، خاصة تلك التي تشهد إحتكاكات فرديّة من وقت إلى آخر، علماً أنّ البحث في مسألة «سرايا المقاومة» سيتواصل في خلال الجلسة المقبلة للحوار بين «المُستقبل» و«الحزب» والمُقرّر عقدها في 13 تمّوز المقبل. وأضافت أنّ «المُستقبل» لن يُسقط هذا المطلب من مطالبه خلال جلسات الحوار المُستقبليّة.
وختمت الأوساط نفسها أنّ الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة ليست سهلة، خاصة من الناحية السياسيّة، مُتوقّعة أنّ لا يتمكّن العماد عون من وقف عجلة الدولة، على الرغم من تحضيراته الحثيثة حالياً لإطلاق تظاهرات شعبيّة لدعم موقفه، لا لسبب سوى لتلبية مجموعة من المطالب الخاصة، بحسب رأي الأوساط السياسيّة القريبة من «تيّار المُستقبل». وتوقّعت أن تفشل مُحاولات التعطيل «العَونيّة» المُرتقبة، إلا في حالة واحدة، تتمثّل في أن يلقى «الجنرال» دعماً ميدانياً كبيراً من «حزب الله» ومن بعض القوى الأخرى ضمن تحالف «8 آذار». وأضافت أنّه في هذه الحال، لا تكون المسألة عبارة عن خلاف على منصب عسكري أو على أسلوب حكم في ظلّ غياب الرئيس، بل عبارة عن مُحاولة إنقلابيّة لتغيير واقع قائم بالقوّة، وعندها لكلّ حادث حديث.