Site icon IMLebanon

المستقبل سيواجه نفوذ حزب الله

في الظاهر يبدو رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح»العماد ميشال عون محور المُشاكل التي يُواجهها لبنان منذ مدّة، من قضيّة مُقاطعة جلسات إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، مروراً بمسألة تحريك الإحتجاجات الشعبيّة رفضاً لتمرير التمديد للقادة الأمنيّين بالأسلوب الذي تمّ فيه، وصولاً إلى شلّ العمل الوزاري بفعل المُطالبة بآليّة عمل حكومي تعيد «الحقوق المسيحيّة المَسلوبة»، إلخ. لكن نظرة أعمق للأمور تكشف واقعاً مختلفاً تماماً لهذا الإنطباع غير الصحيح.

وبحسب وزير سابق كان يُوصف بالوسطي خلال فترة حكمه، فإنّه إذا كان صحيحاً أنّ قضايا لبنان الصغيرة والتفصيليّة لا تهمّ العالم الخارجي، فإنّ الأصحّ أنّ الملف اللبناني يُشكّل ساحة مُواجهة مُؤثّرة جدّاً في الصراع الإقليمي الشرس والدمَوي الدائر منذ سنوات عدّة في أكثر من دولة عربيّة. وأضاف أنّه من هذا المنطلق يجب عدم الإستخفاف بالإهتمام الذي يلقاه العديد من الأفرقاء المُتخاصمين في لبنان، من قوى إقليميّة فعّالة، إنطلاقاً من محاولات هذه القوى الحفاظ على نفوذها، وحماية مصالحها الإستراتيجيّة، وتعزيز موقعها على الخريطة الدَوليّة.

وأوضح المصدر نفسه أنّ ما يحصل على الساحة اللبنانيّة منذ العام 2005 حتى اليوم، هو واجهة لصراع إقليمي عميق بين «الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة» و«المملكة العربيّة السعوديّة»، لا يزال مفتوحاً على مصراعيه حتى تاريخه. وأضاف أنّه بعد إغتيال رئيس الحكومة الراحل الشيخ رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وما تلاها من تطوّرات مُزلزلة على صعيد التوازن اللبناني الداخلي، وفي طليعتها إنسحاب جيش الوصاية السورية من لبنان في 26 نيسان من العام نفسه، إنتقل النفوذ الداخلي الذي كان بيد النظام السوري بشكل مُطلق، إلى يد «حزب الله» بدعم إيراني كبير، في مواجهة أنصار الرئيس الحريري الراحل الذي تجمّعوا تحت راية ما إتفق على تسميته «تيّار المُستقبل»، وذلك بدعم من السعوديّة. وتابع قائلاً إنّ الصراع الأساسي في لبنان منذ عقد من الزمن حتى اليوم، هو في الواقع عبارة عن مُواجهة بين مشروع إيراني عقائدي لكامل منطقة الشرق الأوسط، يُمثّل «حزب الله»رأس حربته في لبنان، ومشروع سعودي دفاعي يُحاول منع توسّع النفوذ الإيراني في الساحة العربيّة ويعمل على مدّ النفوذ السعودي فيها، ويُمثّل رأس حربته في لبنان «تيّار المُستقبل».

ولفت الوزير السابق إلى أنّ المعركة التي يخوضها العماد ميشال عون حالياً، للوصول إلى رئاسة الجمهورية وللسيطرة على قيادة الجيش ولتعزيز نفوذ المسيحيّين اللبنانيّين، لا تراها السعودية سوى محاولة من حليف «حزب الله»لتوسيع نفوذ «الخط السياسي»الذي رأى العماد عون في خطاب له منذ بضعة أيّام أنّه «الخط الرابح». وأضاف أنّه من هذا المُنطلق تقوم المملكة بكل ثقلها بمنع حصول هذا الأمر، ما يُفسّر «الفيتو» الموضوع على عودة «الجنرال»إلى قصر بعبدا بصفة رئيس للجمهوريّة هذه المرّة، وبعرقلة وصول مُوالين له بشكل مُطلق إلى «اليرزة» أيضاً، وبمواجهة محاولاته لسحب السلطات من يد حلفائها السُنّة، كل ذلك لمواجهة «حزب الله» الذي يقف خلف العماد عون ويدعمه ويؤمّن الغطاء الكامل لتحرّكاته.

وأوضح المصدر نفسه أنّ «تيّار المُستقبل» بتموضعه الطبيعي إلى جانب السعوديّة، لن يُقدّم تنازلات مجانيّة للعماد عون، حليف «حزب الله»، على مستوى رئاسة الجمهورية أو قيادة الجيش، بشكل يُعزّز نفوذ «الحزب» في لبنان بشكل كبير جداً، ويؤدّي حُكماً وتلقائياً إلى زيادة النفوذ الإيراني فيه أيضاً. وقال إنّ في المرحلة الحالية، أي مرحلة بداية المفاوضات بموازاة إستمرار الصراع الدموي في كل من سوريا واليمن والعراق وغيرها، لن تكون هناك تسويات مجانية، ولن تكون هناك تسويات محلّية ضيّقة على حساب التسويات الكبرى. وأضاف المصدر الوزاري السابق أنّ فشل المحاولات السابقة التي كانت تُروّج لتسوية تقضي بوصول «الأقوياء» في طوائفهم ومذاهبهم إلى أعلى المراكز السياسيّة التنفيذيّة في لبنان، وكذلك بوصول «الأقوياء» الموالين لهم إلى أعلى المراكز الأمنيّة فيه، لا يعود إلى عدم الرغبة بوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية في مقابل الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة، ولا إلى عدم الرغبة بوصول العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش في مقابل وصول العميد عماد عثمان إلى قيادة قوى الأمن الداخلي، بل إلى رفض القوى الخارجيّة المؤثّرة في السياسة الداخليّة اللبنانيّة تحريك الملفّ اللبناني بمعزل عن تسوية شاملة لكامل الوضع على الساحة اللبنانية، ومن دون التوصّل إلى بداية حلول للملفّات المرتبطة بلبنان أيضاً.

وختم المصدر الوزاري السابق تحليله بالقول إنّ التحرّك «العَوني»غير كاف لتغيير المُعادلات الداخلية، وما لم يتقدّم «حزب الله»من الصفّ الخلفي إلى الصفّ الأمامي، فإنّ لا تغيير مُرتقب بالواقع الراهن. وأضاف أنّه في حال قرّر «الحزب» القيام بذلك، فإنّ «تيّار المُستقبل» سيتخلّى عندها عن سياسة التجاهل التي يعتمدها بوجه العماد عون، وسينتقل إلى مرحلة المواجهة المباشرة الكاملة سياسياً وشعبياً، «فالقصّة ليست قصّة منصب هنا أو هناك، بل قصّة صراع نفوذ إقليمي يمتد من كل من الرياض وطهران إلى بيروت وغيرها من العواصم العربيّة».