واشنطن توحي ان سوريا هي المسرح الأساسي لممارسة الاستراتيجية الجديدة لادارة الرئيس دونالد ترامب في المنطقة. وليس ما تكشفه هو كل أوراقها في لعبة مزدوجة: الحؤول دون ظهور داعش مجددا، وتفكيك النفوذ الايراني المتوسّع. فالدولة العظمى متّهمة بالغطرسة والأحادية، لا بالسذاجة. ومن السذاجة تصورها ساذجة الى حدّ التصرّف كأن الوجود الدائم لبضعة آلاف من قواتها المسلحة في جزء من سوريا يكفي لربح اللعبة المزدوجة. حتى خطاب وزير الخارجية ريكس تيلرسون في جامعة ستانفورد، فان ما قدّمه من أجوبة واشارات واضحة ترك المجال مفتوحا لأسئلة حائرة.
ذلك أن الدول والقوى التي تسابقت على اعلان النصر على داعش والاستعداد لمرحلة ما بعد دولة الخلافة الداعشية تصطدم بأن داعش لا يزال في كل مكان وخلاياه تمارس الارهاب في أمكنة عدّة. لا بل ان كل المنتصرين يتجاهلون السؤال البسيط المطروح: أين الخليفة أبو بكر البغدادي وأركان التنظيم الارهابي؟ حين كانت واشنطن تعلن ان مهمتها في سوريا تقتصر على محاربة داعش، سئل مدير الاستخبارات المركزية مايكل بومبيو عن مصلحة بلاده في سوريا غير هزيمة داعش. وكان جوابه ان مصلحة أميركا أكبر من أن تكون محصورة في سوريا، مصلحتها في شرق أوسط أكثر أمنا وان تكون هي أكثر أمنا.
ولا أحد يعرف الى أية درجة يبقى ترامب ثابتا على استراتيجية معلنة. ولا مدى استعداد الادارة لمواجهة التحديات أمام تحقيق الاستراتيجية التي جوهرها كبح النفوذ الايراني. لكن الكل يتوقف أمام ثلاث صور في المشهد. الأولى ان النفوذ الايراني ليس مقتصرا على سوريا بل يمتدّ من العراق الى سوريا ولبنان وغزة الى جانب اليمن. والثانية ان قوة أميركا ليست القوة الوحيدة في سوريا، وهي محدودة هناك بالقياس على قوة موسكو وقوة طهران. والثالثة ان أميركا تحتاج الى العمل على كل المسرح المسمّى الهلال الشيعي، لا فقط في جزء من سوريا، كما تحتاج الى مساعدة من روسيا ودفع ثمنها، وأقله الى اختلاف الحسابات والمصالح بين موسكو وطهران، ثم الى مساعدات من دول عربية وقوى محلية، وبالطبع الى حرب اسرائيلية.
والواقع ان ما في العراق هو تساكن هادئ بين أميركا وايران. وما في لبنان هو استقرار يرعاه الغرب الأميركي والأوروبي والشرق الروسي والصيني تحت عنوان ربط نزاع بين حلفاء السعودية وحلفاء ايران. وما في سوريا هو محاولات فاشلة لترتيب تسوية سياسية، واندفاعات من كل القوى تقريبا نحو حلّ عسكري مستحيل.
والكل يعرف كلفة الاندفاع في اللعبة وكلفة الهرب منها، ويتهيّب.