Site icon IMLebanon

عمليّة التنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانيّة مُجمّدة رسمياً حتى الصيف المقبل… و”توتال” تتلاعب لإطالتها لسنوات 

 

 

لم تُقدّم شركة “توتال” الفرنسية نسخة عن تقريرها النهائي للحكومة اللبنانية، عن نتائج عملية الحفر في البئر الإستكشافية الأولى في حقل قانا الواقع في البلوك 9 من ضمن البلوكات البحرية اللبنانية الحدودية، على ما كان يُفترض في أواخر شباط 2024، رغم أنّ تقريرها جاهز بحسب معلومات موثوقة. ما يعني أنّها تنكس بوعودها للدولة اللبنانية، بعد أن أوهمتها سابقاً باهتمامها بالإستثمار في البلوكين 8 و10، لتعود وترفض توقيع عقدَي الإستكشاف والإستخراج فيهما، بعد التعديلات التي وضعتها الحكومة بهدف تسريع وتيرة الحفر والإستثمار بدلاً من إطالة أمدها، على ما قدمت “توتال” في عرضَيها الى سنوات مقبلة بعد.

 

فشهر شباط انقضى، وبتنا على مشارف منتصف آذار الجاري، ولم تُكلّف “توتال” بصفتها مشغّلة “الكونسورتيوم” الموقّع مع الدولة اللبنانية على الإستكشاف والإستخراج في البلوك 9، عناء إرسال فريق من قبلها لشرح موقفها “الملتبس” في ما يتعلّق بالإستكشاف في البلوكين 8 و10، كما في حفر بئر ثانية في البلوك 9 أم لا. أمّا الذريعة فهي عدم استقرار الوضع الأمني في لبنان والمنطقة، في حين أنّها لا تريد أن يستفيد لبنان سريعاً من ثروته النفطية، قبل أن تأخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية.

 

مصادر سياسية مطّلعة تقول بأنّ الدولة اللبنانية لا تُحاسب على النوايا بل على الأداء، وتتعامل مع الشركات النفطية العالمية وفق القانون والإتفاقيات والعقود. وما ظهر من “توتال إنرجي” كونها تترأس “الكونسورتيوم” الذي يضمّ الى جانبها “إيني” الإيطالية، و”قطر للطاقة” القطرية حتى الآن لم يكن مشجّعاً، إذ حفرت بئراً واحدة في كلّ من البلوكين 4 و9، وأعلنت عن عدم اكتشافها لمكامن غاز تجارية في كلّ منها. كما أنّ موقفها النهائي من عملية الحفر في البلوك 9 التي أنهتها قبل الموعد المحدّد لها في تشرين الأول الفائت، من دون أن تُقدّم حتى الساعة، التقرير المفصّل للدولة النهائية حول نتائج هذه العملية، ومن ثمّ اهتمامها ثمّ رفضها لعقدي الإستكشاف في البلوكين 8 و10 ، رغم تقديم تنازلات عديدة لها… كلّها أمور تؤكّد على عدم جدية “توتال” في التعاطي مع لبنان في ملف التنقيب عن النفط والغاز في بلوكاته البحرية.

 

واللافت أنّه رغم هذا الأداء “المُبهم” من قبل “توتال”، على ما تابعت المصادر، تبقى الدولة اللبنانية منفتحة على “الكونسورتيوم” في حال تقدّم الى دورة التراخيص الثالثة، التي انطلقت في 27 كانون الأول المنصرم وتستمر حتى 2 تمّوز المقبل، ولكن ضمن دفتر الشروط هذه المرّة. علماً بأنّ “توتال” تقدّمت الى دورة التراخيص الثانية بطلب لا يستوفي دفتر الشروط لا من قريب ولا من بعيد، ما جعل وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط يضعان بعض التعديلات على شروطها، لتشجيعها على الإستكشاف في البلوكين 8 و10، غير أنّها رفضت التوقيع على العقد، الأمر الذي يفرض على الحكومة أن تكون حذرة معها في أي إتفاق مقبل لا تضمن فيه بدء الأعمال، لكي لا يكون ذريعة للمزيد من المماطلة والتسويف، وعدم تسيير قطاع النفط في لبنان.

 

من هنا، تجد المصادر نفسها أنّه على الدولة اللبنانية عدم التعويل هذه المرّة على “الكونسورتيوم”، الذي ينتظر إشارة من واشنطن لكي يُحسن الأداء، وهو أمر بات واضحاً من خلال ما أعلنه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، إذ ربط مسألة الترسيم البرّي بعودة العمل في ملف النفط والغاز في البلوكات اللبنانية. لهذا تُحاول الدولة اليوم العمل على جذب شركات جديدة، وقد قامت بتعديل شروطها من أجل تحقيق هذه الغاية، ولفتح الباب واسعاً أمام شركات نفطية أصغر من تلك الكبرى، يُمكنها المشاركة في دورة التراخيص الثالثة وتلبية الشروط اللبنانية.

 

ودورة التراخيص الجديدة هذه التي تنتهي في 2 تمّوز المقبل، على ما أضافت المصادر، تتيح للبنان عدم خسارة المزيد من الوقت للتنقيب في بلوكاته البحرية لا سيما تلك التي تُعتبر حسّاسة، نظراً لموقعها الجغرافي والصراع القائم حالياً في الجنوب مع العدو الإسرائيلي. وقد باتت تضمّ 9 بلوكات من أصل 10 معروضة للتلزيم، لا سيما مع “احتكار الكونسورتيوم” للبلوك 9، كونه لم يُقرّر بعد إذا كان يريد حفر بئر ثانية فيه أم لا. وتستفيد “توتال” من العقد الموقّع مع الدولة اللبنانية الذي ينتهي في 25 أيّار من العام 2025 ، لمزيد من إضاعة الوقت وعدم اتخاذ القرار، أي الى حين موعد نهاية مدة عملية الإستكشاف الأولى في البلوك 9، إذ تكون قد أتمّت الموجب التعاقدي بحفر هذه البئر.

 

وعليه، فإنّ العمل في البلوك 9 مجمّد، وفق المصادر عينها، حتى تاريخ انتهاء العقد مع “الكونسوريتوم” في أيّار من العام المقبل، كما هو مجمّد أيضاً ليس فقط بسبب الحرب الدائرة في غزّة وفي جنوب لبنان، إنّما بشكل “رسمي” الى الصيف المقبل، أي الى موعد انتهاء مدّة دورة التراخيص الثالثة. وفي حال لم تتقدّم أي شركة اليها منذ الآن وحتى 2 تمّوز المقبل، فإنّ العمل في التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات اللبنانية سيبقى مجمّداً، إذ سيُصار الى تمديد فترة دورة التراخيص لأشهر إضافية بعد. وفي حال تقدّمت شركة أو أخرى، فإنّ عملية فضّ العقود ودراستها قبل تلزيم الشركة الفائزة يتطلّب بعض الوقت. ما يعني أن لا تنقيب عن النفط والغاز في البلوكات اللبنانية أقلّه حتى الصيف المقبل، بغضّ النظر عن ربطه بالحرب من جهة، أو بالسياسة من جهة ثانية.

 

وبرأي المصادر إنّ عدم اكتشاف “توتال” للغاز أو النفط في البلوكات اللبنانية يُفقدها مصداقيتها، في حين أنّ “إيني” من ضمن “الكونسورتيوم” قد نجحت في اكتشاف أكبر خزّان للغاز في مصر، كما نجحت كذلك في البلوكات القبرصية. لهذا تستغرب المصادر أن ترضخ للضغوطات الأميركية، وإن كان لواشنطن حصّة فيها، على حساب مهارتها وخبرتها الطويلة في مجال التنقيب واستخراج الغاز والنفط.