فيما كانت الانظار المتجهة لاكتشاف المناورة الجديدة التي سيعتمدها رئيس الوزراء “الاسرائيلي” لتطيير المبادرة الثلاثية، كانت المفاجأة من داخل غزة مع اعلان حركة حماس رفضها للحوار باسلوب وتعابير ديبلوماسية، ما طرح الكثير من علامات الاستفهام حول الاهداف والغايات.
زاد من هذا الغموض اعلان الناطق العسكري للحركة، عن تصفية حراس مجموعة من الاسرى للمختطفين لديهم انتقاما للمجازر، وفقا للتحقيقات الحمساوية، ما شكل بالتأكيد ضغطا اضافيا في الداخل “الاسرائيلي”، في ظل الصدوع اللاحقة بحكومة الحرب، والخلافات المتزايدة بين وزرائها.
واذا كانت مصادر ديبلوماسية ترى ان بصمات طهران واضحة في القرار الحمساوي الاخير، الا انها في المقابل تجزم ان الحركة التكتية التي حصلت، قد تشكل هزيمة كبيرة على الصعيد الاستراتيجي، وتصب في خانة مصلحة “اسرائيل” في ظل التوازنات الاميركية والدولية الراهنة، وما الموقف الروسي الداعي والضاغط باتجاه تسوية ما، سوى دليل اضافي.
وترى المصادر ان “اسرائيل” اليوم امام فرصة استراتيجية، لخلق جبهة دولية تقود معها المواجهة ضد ايران وحزب الله قد لا تتكرر، لذلك لن تفوتها خصوصا انها قطعت اكثر من نصف الطريق في هذا الاتجاه، عشية الحشود الاميركية الهجومية الطابع، وفقا للكثير من المطلعين، رغم محاولات اضفاء الطابع الدفاعي عليها.
من هنا، والكلام للمصادر يصبح من الواضح جدا الخيار الانسب الذي ستسلكه “تل ابيب” في الاسابيع القليلة القادمة، بعدما “طير” الرئيس الجديد للمكتب السياسي يحيى السنوار “حوار الخميس” في ضربة معلم، رجحت اوساط ديبلوماسية ان تكون منسقة مع الحلفاء، بهدف عدم السماح لنتنياهو بتحييد غزة والانتقال للمرحلة الثالثة، على وقع حرب يريدها ويسعى لها في لبنان، ما اعاد خلط كل الاوراق خصوصا بعد عماد٤.
فبالنسبة لـ “تل ابيب” خيار إبرام صفقة تبادل الآن، سيؤدي إلى نهاية الحرب وفقا للتوازنات الحالية، اي ابقاء سلطة حماس في القطاع بشكل او بآخر، مع عدم عودة معظم مستوطني الشمال وغزة إلى مساكنهم، واستمرار إيران في بناء قدراتها النووية، فضلا عن احتفاظ حزب الله بقوته، ما يعني عمليا محافظة محور الدول المعارضة للولايات المتحدة على مصالحها، تماما كما في حالة ردع إيران وحزب الله عن الهجوم عبر هجوم دقيق ومحدد لا يؤدي إلى حرب شاملة، سقفه استبدال سلطة حماس بسلطة مدعومة إقليميا أو دوليا، حسب المصادر.
من هنا، يبدو أنه من الافضل لـ “إسرائيل” على ما تشير اليه الاتصالات الجارية من “تحت الطاولة” والضغوط الممارسة، استغلال الرد الانتقامي لطهران وحارة حريك، وتنفيذ هجوم واسع النطاق في لبنان وسوريا وإيران من أجل تشكيل المنطقة للسنوات القادمة، وهو ما سبق لنتانياهو ان اعلنه قبل عشرة اشهر حين قال “ان السابع من تشرين سيغير وجه المنطقة، وسيسمح لـ “تل ابيب “بترتيبها” وإحداث تغيير أساسي في أولوياتها لسنوات عديدة مقبلة”.
امام هذا الواقع تصبح معادلة وحدة الساحات اكثر وضوحا، لتتحول معها الساحة الفلسطينية سواء في غزة او الضفة، الى جبهة اسناد لحزب الله من جهة، وعرقلة انتقال الجيش “الاسرائيلي” الى المرحلة الثالثة في القطاع، ما قد يعيد اللعبة الى قواعدها السابقة ما قبل الثامن من تشرين الاول.
فهل اخطأ يحيى السنوار في الحسابات وورط واشنطن في المستنقع “الاسرائيلي” اكثر؟ مع الاشارة الى ان طهران التي ارتفعت بعض الاصوات فيها داعية الى ان يكون الرد الاقوى اعلانها عن مفاجأة نووية، لن تكون وفقا لبراغماتيتها وسياسة الصبر الاستراتيجي التي تعتمدها، مستعدة لخسارة كل ما راكمته خلال السنوات الماضية، وهنا بيت قصيد حالة الانتظار التي تعيشها المنطقة والتي لا بد ستنتهي الى مواجهة، تلحق الضرر بالمشروع النووي للجمهورية الاسلامية.