IMLebanon

أن يكون «الجنرال» رئيساً

العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. قدرٌ خُط بكثير من المثابرة والجهد، واحتاج إلى عمل دؤوب وصبر، وثبات على القناعات المترسخة، والخيارات الحكيمة التي ترى الأمور من واقع منظورها الواسع، متجاوزة محاولات البعض تقديس عادات ومسالك لدروب تم الركون إليها، واعتبارها صاحبة القضاء والقدر، التي لا يتغير حرفاً من حروفها، ولا يتبدل قولاً من أقوالها.

لذا، هال البعض أن يرى حقائق فعلية ومقاربات جدية، أثمرت منهجاً آخر لا يتسم بالاستزلام والتبعية المفرطة، ولا بانتظار كلمة السر المنزلة، ولا بالرضوخ لإيحاءات سفراء الدول الكبرى، ولا بالنزول أمام رغبات أصحاب النعمة، لقد كان لدى هؤلاء وأولئك تفسيرات موغلة في خطئها، ولأن أمامهم تجربة مختلفة وأداء متمايز، فإن التفسيرات التي أعطيت تحمل في طياتها خليطاً من الجهل والخبث والتمنيات.

نعم، لقد رشح «حزب الله» العماد عون لرئاسة الجمهورية، والترشيح جاء من موقع القناعة التامة القائمة على معرفة وثيقة بالمرشح وقدراته، ومواقفه وقناعاته الاستراتيجية وتلاؤمها تماماً مع رؤية «حزب الله» وتصوراته، التي انسكبت في كثير من تفاصيلها في عناوين «وثيقة التفاهم»، التي يحب البعض أن يتجاهلها كمعطىً أساس في فهم عمق هذه العلاقة وتطورها، وفي كنه هذا الإصرار والثبات برغم كل الضغوط والاتهامات، لإبرازه معطلاً للحياة السياسية وحياة الناس، فيما يعرف الجميع أن التعطيل كان في مكان آخر، وأن كل ما قيل هو تجنٍ لا يمت إلى الواقع بصلة، وأنه عندما رفعت اليد الغليظة عن ملف الرئاسة وتم استبعاد الفيتو السعودي، أصبح الأمر سلساً وإمكانية الوصول إلى رئيس للجمهورية واقعية.

يضاف إلى الثبات والرؤية المشتركة، التجربة في التعاطي السياسي والجماهيري، مما راكم في قناعة «حزب الله» بأهمية أن يكون للبنان في هذه المرحلة الحساسة شخصية تحمل مواصفات رجل الدولة، المستعد لأعباء المرحلة الخطرة والحساسة، والقادر على تحمل الضغوط، وأن لا يتحول إلى إمعة، فيقضي على ما تبقى من قدرة للوطن والمواطن..

إن خيار العماد عون رئيساً، هو خيار الانتقال إلى محاولة تأسيس منحى جديداً لدولة قادرة تخرجنا من عمق المأزق والتهاوي والتردي الذي يحكم بنيان الدولة ومؤسساتها الراهنة.

إنها محاولة جادة يراكم عليها وتفتح مستقبلاً لبناء الدولة وعدم الارتهان للخارج والسقوط أمام إرادته بصفته ولي أمر الرئيس والحكومة والدولة وهو الذي يقرر ويأتي بمن يشاء.

إن ما فعله «حزب الله» هو المساهمة مع آخرين بإعادة الاعتبار إلى الدولة والمواطنة والكرامة الوطنية وإمكانية صنع أقدارنا في لبنان بأيدينا ما أتيح إلى ذلك من سبيل.

أما أولئك الذين اقتصر فهمهم على أن المسألة مسألة وفاء وردّ جميل على مواقف العماد عون الوطنية والانسانية في عدوان تموز والتي عكست قناعاته في سياق رؤية استراتيجية وطنية، وليس في سياق مواقف عاطفية آنية، فاننا نقول لهم إن هذا الوفاء يجب أن يفهم ضمن منظومة متكاملة قائمة على القناعة المشتركة لرؤية الأمور الأساسية، وعلى تجربة ناجحة في التواصل وإدارة الأمور والتنسيق والتفاهم، وعلى احترام متبادل لثقل وموقع كل طرف، يتوج كل ذلك بالوفاء، الذي يشكل مع أسلوب وقناعات «حزب الله»، قيمة مضافة، ونهجا جديدا على السياسيين اللبنانيين أن يتعاطوا معه ويألفوه كواقع ونموذج، فـ «حزب الله» إنما يمارس السياسة بأسلوب الإيمان القويم الذي يشكل خلاصاً للبنان واللبنانيين.