IMLebanon

السخاء الخليجي والتمهل الإيراني

 قبل صفقة النووي بين الولايات المتحدة ومعها بقية الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن وكذلك المانيا التي سميت ﺑ «زائد واحد»، جال حكام هذه الدول أو مَن يمثِّلونها على دول الخليج وقالوا من الكلام المعسول ما جعل الحكومات في هذه الدول ترد على عسل الكلام بإتفاقيات تشمل الأسلحة والمشاريع والإستثمارات والمحطات النووية. . إنما للأغراض السلمية عكْس المفاعلات المكتملة الجهوزية للإنتاج في إيران. وغنمت تلك الدول من الخيرات الخليجية ما جعل الأوضاع في تلك الدول تنجو من إهتزازات إقتصادية ومعيشية. كما أن مصانع السلاح والطيران المدني صمدت بفضل صفقات تم إبرامها حيث هذه دولة تشتري طائرات لتحديث أسطولها وتلك دولة توقِّع إتفاقيات لتزويد الأسطول بعشرات الطائرات الجديدة.

  كل هذا السخاء كان مقابل إفتراضات لا تصل إلى درجة اليقين، بأن هذه الدول الكبرى ومعها المانيا ستكون أكثر تفهماً للخشية الخليجية من التطلعات الإيرانية المشحونة بالقدرات النووية الموعودة والتي تمهِّد لها من خلال التدخلات على أنواعها بدءاً بتسليح الأطياف المُحلِّقة في فضائها في بعض دول الخليج واليمن إقتباساً لما فعلتْه بالنسبة إلى طيفها اللبناني. ثم بعد التسليح جاء تنشيط الورقة المذهبية. وبهذيْن العنصريْن باتت إيران الخامنئية لا تصغي إلى أي رغبة في بناء علاقة تقوم على إحترام الخصوصيات وحُسْ الجوار.

 كان المتوقَع بعد إتمام الصفقة النووية أن كل الدول إياها ستقول لأهل النظام الإيراني ها نحن أنجزْنا لكم ما كنتم تتطلعون إليه وأُزيلت العقوبات المفروضة عليكم، وليكن واضحاً أمامكم أن لدينا أصدقاء في منطقة الخليج وفي العالم العربي، كثيراً ما وضعوا أمامنا من الشكاوى حول سلوك سياسات من جانبكم هي موضع قلقهم، ولقد وعدْنا هؤلاء الذين كانوا بدورهم في منتهى التجاوب مع عروض تجارية وإقتصادية وتسليحية قدَّمناها إليهم، بأننا لن نطوي أزمة الموضوع النووي وكثْرة الخلافات والشروط في شأنه إلاَّ بعد تعهدات من جانبكم بأنكم ستعيدون النظر في كل ما هو موضوع الشكوى منكم وبحيث يبدأ الوضع في منطقة الشرق الأوسط عهداً من التهدئة والإستقرار. وهو طَلَب مُحِق من جانبهم خصوصاً أنه مقرون بالرغبة في حُسْن الجوار المثالي. زيادة في التطمين من جانب الدول إياها، نرى الدبلوماسية الأميركية والفرنسية ومعها دبلوماسية الباقين تقوم بزيارات ويُلقي الوزراء أو المبعوثون من الكلام المعسول ما يبعث في النفس الطمأنينة.

 ثم فجأة وبينما هذا الكلام يتردد عبْر تصريحات وفي لقاءات مشترَكة، إذا بالنظام الإيراني يسدِّد ضربة لكل هذه الوعود والإفتراضات وتتمثل في إحراق مقر السفارة السعودية في طهران ومقر القنصلية في مشهد. ويترافق مع الإحراق الذي حدث رداً على تنفيذ حُكْم الإعدام في حق رجل دين سعودي من المذهب الشيعي يحمل جواز سفر كما أي مواطن سعودي من دون تحديد مذهب هذا المواطن أو ذاك. وتم تنفيذ الحُكْم بعد محاكمة كان من شأن المحكوم أن يقوم بمراجعة لمواقفه أمام المحكمة وبالتالي يمكن لإعتبارات كثيرة تعديل الحُكْم. لكن الشيخ نمر باقر النمر تصرَّف على أساس أنه أقوى من الدولة ومن القضاء وأن ما كان يقوله وما فعله هو جزء من مشروع أكبر يستهدف تقويض النظام.

 لم يتفهم النظام الإيراني ذلك وتصرَّف على أن الشيخ النمر هو من رعاياه وأجاز بإيحاءات الإحراق الذي حدث. وهو فعل ذلك على أساس أن لا شيء يردعه بعدما حقق صفقة الموضوع النووي مع الكبار الذين طالما أسمعوا أصدقاءهم في دول الخليج ومصر من معسول الكلام ما جعل السخاء يتدفق وعلى حساب ميزانيات أصابها توعُّك زاده توعكاً إنخفاض مقلق وربما متعمَّد في أسعار النفط فلجأت إلى الإحتياطي من الثروة وإلى الترشيد العام والخاص. وهذا السخاء كان حالة متسرعة ولا تنسجم مع النصح الذي يريده النبي محمد(ص)والمتمثل بقوله«إذا أراد أحدكم أمراً فعليه بالتؤدة»، بينما أهل النظام الإيراني أخذوا بقول الإمام علي بن أبي طالب(رض) «الصبر صبران. صبر على ما تكره وصبر على ما تُحب» وكذلك بالمثل الشعبي الذي يتداولونه وهو«الصبر شجرة جذورها مُرَّة وثمارها شهية».

 وها هم بعدما حققوا المكسَب النووي يأكلون من الثمار الشهية ويُطعمون الذين كافأوهم بإهدائهم الإتفاق النووي، فيما المرارة لا تغادر الطيف الذي إستعجل السخاء.

. . . وللحديث بقية.