IMLebanon

«إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الإنساني2015» في ذكراه التاسعة: لو طُبّق لما انهارت الدولة ووقعت الحرب وحدثت نكبة 2024

 

 

 

ان من يرصد الأزمات والنزاعات في العالم يستنتج أن السبب الأساسي لاندلاعها هو غياب الحوار وثقافته. واجهنا هذه المسألة في بُعدها الشامل الثقافي الدولي الموضوعي والمستقل ونظمنا مؤتمراً ثقافيا دوليا بعنوان «الإعلام وثقافة الحوار الإنساني» في جامعة جنيف – سويسرا بتاريخ 24-25 أكتوبر 2015. في الجلسة الختامية تم اطلاق مبادرة علمية دولية بعنوان: «إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الإنساني2015» فكان أول إعلان علمي يدعو الى اعتماد الحوار في علاقات المجتمعات البشرية.

لقد كانت المبادرة الى تنظيم هذا المؤتمر الدولي في إطار علمي مستقل بهدف الحفاظ على الأبعاد العلمية للإعلان. أكّدت المرجعيات الثقافية الدولية أنه كانت لنا أسبقية اطلاق أول إعلان علمي دولي يدعو الى اعتماد ثقافة الحوار وبناء السلام.

 

وبمناسبة مرور 9 سنوات على إطلاقه نؤكد اليوم أنه لو تم تنفيذ مواده الثلاثين بجديّة هادفة لما انهارت دولة لبنان ووقعت الحرب وحدثت نكبة 2024، وعاد الى لبنان العربي دوره كاحدى درر تاج الشرق.

استند الإعلان في ديباجته على المبادئ الجوهرية التي توافقت عليها المجتمعات لجهة تساوي البشر في الكرامة والحرية والقيم التي تنظم علاقة الإنسان بالحياة، فدعا في المادة الخامسة إلى الأخذ بعين الاعتبار أن عناصر التنوّع والاختلاف لا تقف عائقاً أمام مفهوم التسامح لدى الأديان التي أوجبت جميعها قبول الآخر، وفي المادة التاسعة الى التأكيد على دور الإعلام في نشر ثقافة الديمقراطية الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز ثقافة الحوار بعيداً عن العصبيات الموروثة فتتعزّز قيم السلام الوطني والسلم الدولي.

 

وركّز الإعلان على الأبعاد التربوية والتعليمية بالقول أن الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات هو أمر ضروري بين المجتمعات البشرية حيث أن ظهور الأيديولوجيات التعصبية يتسبب في صراعات ونتائج كارثية.

ولما كان مفهوم التربية يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببناء شخصية الإنسان وأن الإعلام هو الناقل الأساسي لهذا المفهوم إلى الإنسان منذ الطفولة، شدّد الإعلان في المادة العاشرة على الدور المحوري للإعلام في بناء ثقافة عنوانها «مواطنة يحميها قضاء عادل» في إطار احترام المبادئ الأساسية لقانون حقوق الإنسان، كما في المادة السادسة عشرة على مناشدة المجتمعات البشرية عدم الاحتكام إلى السلاح أو استخدامه أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف عند حصول خلافات سياسية، وذلك صوناً لعدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية.

لقد عالج «إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015» أهمية البُعد الدولي للحوار في صناعة السلام فدعا الأمم المتحدة الى المعالجة والمواجهة من خلال قراراتها وممارساتها في فرض الأمن والسلم الدوليين.

ولما كان الشحن الإعلامي التعصبي تحت ستار القداسة المزيفة قد أفضى إلى صناعة شخصية كلية مشحونة بالكراهية والعدوانية وثقافة العنف، وحيث أن المجتمعات البشرية تحتاج اليوم إلى وضع ميثاق يضبط حرية التعبير ويمنع الإعلام المحرّض على العنف والكراهية، ولما كان الواقع المأساوي الراهن يشهد تفجُّر نزاعات وأزمات نتيجة نشر أحقاد تضرب الإرث الحضاري البشري، دعا الإعلان في المادة الثالثة والعشرين إلى تعزيز ثقافة السلام من خلال تخصيص مساحة إعلامية واسعة لنشر مبادئ وقيم القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان المناهضة للعنف الذي يقوّض المساحات المشتركة للحوار الإنساني، كما دعا الأمم المتّحدة في المادة الخامسة والعشرين إلى صياغة وثيقة دولية حول العقوبات التي من شأنها أن تُفرض على الدول الأعضاء التي تضرّ بالأمن الدولي من خلال نشرها مضامين تتسبّب بتصعيد التوتّر بين المجتمعات الإنسانيّة وانتشار الخوف أو التطرّف.

إيماناً منا بأن الحوار الإنساني هو قبول الآخر «كما هو في البُعد الإنساني»، وحيث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن لكل إنسان الحق في حرية التفكير والدين، وحيث أنه يقتضي على النخب الفكرية في العالم أن تواجه حالة الدمار الإنساني الشامل الحالي التي تتهدد البشرية جمعاء كما هو حاصل اليوم في لبنان والشرق الأدنى، أكد الإعلان في المادة السادسة والعشرين على أن تعزيز ثقافة الحوار الإنساني هو وجه من أوجه الدولة العصرية، وعلى أن تلك الثقافة تجعل الحضارات والثقافات والديانات تتجاور وتتحاور بدل أن تتصارع.

ينبغي تطبيق «إعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الإنساني» ينبغي كوثيقة دولية معتمدة من اليونسكو – الأمم المتحدة، لتكون مرجعاً إنسانياً يساهم في تحقيق استراتيجية معرفية ترسِّخ ثقافة الحوار الإنساني.

قضى هنري دونان – واضع اللبنات الأولى لاتفاقيات جنيف 1949 ولجوهر القانون الدولي الإنساني – قضى نحبه مكتئبا حزينا بعد أن عزل نفسه وعاش وحيدا لأن اتفاقيات جنيف لم تطبق وبقيت حبرا على ورق! نرجو أن لا تكون نهايتنا مثل نهايته لأن الحوار الحقيقي غائب والعنف المفرط حاضر، فهل يدوم هذا الواقع؟

السلام يبدأ من العقول، وفي العقول فقط يبدأ السلام.

* رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والإعلام.

أستاذ جامعي.

عميد ركن سابق.