أسعد بشارة
في الشكل كان «لقاء كليمنصو» الأخير لتسهيل مرور الجلسة النيابية، ولكنه في المضمون تشعّب، وإن تركّز على «ضبط أداء» الوزير جبران باسيل، تحت عناوين عدة أبرزها من الناحية العملية أنّ الأمور لا يمكن أن تستمرّ على هذا النحو.
في المعلومات أنّ استياء رئيس مجلس النواب نبيه بري من باسيل، وكذلك استياء النائب وليد جنبلاط أدّيا الى ترتيب اللقاء، لمنع الوصول الى اصطدام حقيقي، خصوصاً بعد افتخار باسيل بـ«العنصرية اللبنانية»، هذا الافتخار الذي حدا بكثير من القيادات الى التنبيه من خطورة ما يمكن أن تصل اليه الأمور، في حال استمرّ هذا الخطاب، وهذه الممارسة.
تضيف المعلومات أنّ ثلاثة محاور تناولها «لقاء كليمنصو» بالبحث، وهي:
الأوّل: التمادي العوني الذي يمثّله باسيل، حيث تمّ اعتبار أنّ هذا الأداء الباسيلي الذي يدعمه الرئيس ميشال عون يعود الى مرحلة ما قبل «اتفاق الطائف»، وبالتالي لا يتناسب مع المرحلة التي تلته، ولا يمكن القبول بهذه الممارسة، التي تتخطّى كل الحدود، وقد حمّل أحدُ المجتمعين رئيس الحكومة سعد الحريري مسؤولية تمادي باسيل في خرق التوازنات الداخلية وتوجّه الى الحريري محمِّلاً إيّاه المسؤولية عن إيصال الامور الى ما وصلت اليه، جراء التحالف «العوني» ـ «المستقبلي» الذي تحوّل أرجحيّة عونية.
وكان هذا القطب نفسه قد أبدى تذمّراً من عدم القدرة على إبرام أيّ تفاهم على أيّ قضية بسبب التشاور الإجباري مع باسيل الذي يفرضه التفاهمُ القائم بين «المستقبل» و»التيار الوطني الحر».
الثاني، أبدى جنبلاط خشيته من الارتماء الكامل للعهد في حضن «حزب الله»، وعدم الحفاظ على الخيط الفاصل بين الخطاب الرسمي وخطاب «الحزب»، واشار الى أنّ ما كان يطبَّق قديماً من تناغم بين الدولة والحزب تحوّل في عهد العماد ميشال عون توحّداً كاملاً للموقف وهو ما يهدّد في حال تعرّض لبنان لأيّ اعتداءٍ إسرائيلي الى استهداف الدولة اللبنانية وبنيتها، وهذا أمر خطير، وذكر جنبلاط أنّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وعلى رغم الاشتباك الداخلي الذي ساد في العلاقة مع «حزب الله»، تمكّنت من حفظ الخط الفاصل وحمت بأدائها عام 2006 الدولة من الاستهداف.
ثالثاً: لدى البحث في نتائج التسوية الرئاسية إنتقد جنبلاط ما آلت اليه الامور، فالتسوية كانت مُكلِفة، لكن لا خيار إلّا حمايتها، بغية حماية الاستقرار المهدَّد، ومن أجل استمرار الحكومة في تأدية مهماتها عبر تأمين الدعم للحريري.
وفي كل الحالات كان باسيل حاضراً في «لقاء كليمنصو»، وكان عهدُ عون عموماً الحاضرَ الأكبر، ولم تُخفِ أوساط مطّلعة أنّ الهدف كان حضّ الحريري على اتّخاذ مسافة معقولة من باسيل، وإعادة تصويب الامور في الاتّجاه الذي يمنع العودة الى مرحلة ما قبل «إتفاق الطائف» التي يرفضها كل من جنبلاط وبري.
وتشير هذه الأوساط الى أنّ هذا اللقاء الثلاثي الذي هو الأول منذ انتخاب عون، يهدف الى فرملة «الطحشة العونية» التي تمارس إلغاءً في العلاقة المسيحية ـ المسيحية، والتي تطرح نفسها ممثلاً وحيداً للمسيحيين، وتريد أن تترجم ذلك باشتباك عابر للميثاق الوطني، ومن هنا تلاحظ الاوساط عدمَ تعليق «القوات اللبنانية» على هذا اللقاء، بما يفسّر ترك باسيل «يقلّع» شوكه بيده، بعد أن اختلّ ميزان العلاقة بين «التيار» و«القوات» على نحوٍ لم يعد من قدرة على إخفائه.
وتشير الأوساط نفسها الى أنّ الكرة بعد اللقاء الثلاثي باتت في ملعب الحريري، الذي ينتظر منه كل من جنبلاط وبري إعادة تصويب علاقته بباسيل، فيما هو ينتظر دعماً يؤمّن استمرارَ حكومته، والصمود في وجه عواصف ستنتج عن الاشتباك الإيراني ـ السعودي.