ــــ ١ ــــ
كيف حالك ياشبح؟
ينادي المراهقون في القاهرة على أنفسهم في الشوارع والعشوائيات والدروب الضيقة. يتخيلون أنفسهم أشباحاً يعبرون مدينة ميتة. انتشر النداء عابرا مناطق استخدامه الأولى ليصبح لغة عادية… أو نداء جماعياً لأشباح لا نراها وتعيش بيننا، وبالتأكيد تمتلك قوة يمكنها ان تنقذنا.
هذا النداء على الأشباح داخلنا ربما يعود إلى فقدان ثقة بالذات، أو استدعاء للحظة تتحرك فيها الأشباح على عكس كل التوقعات وتسقط القشرة الأولى لنظام الاستبداد.
اشباح الاجيال الجديدة تعيش الان تحت وطأة طبقات الاستبداد العميقة… تلك التي أدارت معركتها بنشر الخوف والرعب من «سقوط الدولة..» …وعبر حرب نفسية منظمة لترسيخ هذا الخوف، لم يكن أمام الأرواح الجديدة مفرّ من التحول إلى اشباح أو العودة إلى مخابئها في المدن.
عادت ومعها مظلوميتها. أو خطابها المحبط، كأنها كانت في رحلة إلى يوتوبيا لم تتحقق.
ــــ 2 ــــ
اختفت الاجيال الجديدة / او عادت إلى حالتها الشبحية، وتحولت اللقاءات الجماعية إلى «لطميات» على الفشل الذي يتخذ بعداً ميتافيزيقيا.
لماذا لا يتم التفكير في ان الفشل جزء من المغامرة؟ وأن الخروج من الركود والبلادة، هو النجاح الأساسي في تفكيك طبقات الاستبداد، لأنه لا يترك الساحة فارغة لاجهزة اكلت الدولة (أو إمكان قيامة الدولة..) والان تمصمص فيها، وتحولها إلى «دولة طوائف» كل مؤسسة فيها طائفة، تتقاسم الانصبة… طوائف بالمعنى المهني، وكل مؤسسة خاصة من ذوات المهام الأمنية والقضائية، أصبحت مغلقة على ذاتها، لها كهنوتها، ومصالحها، وروابطها الوثيقة، ودائرة سلطة مستقلة ودورة عمل خارج سيطرة الدولة، أو بمعنى اصح انتقلت المؤسسات من مرحلة الاقطاعيات التي تسلمها الدولة لمخلصيها إلى طوائف تدير نفسها بتنسيق مع المجموعة الحاكمة أو تحت سطوتها.
هذه الطوائف تحالفت من اجل استعادة «الدولة» بعد سقوط القشرة الاولى، ثم بعد وصول المنافس (الإخواني) إلى السلطة، ويتعرض هذا التحالف الان إلى تصدع نراه في «مناوشات» تبدأ فردية بين عناصر من المؤسسات الرئيسية في حرب استعادة الدولة (الجيش والشرطة والقضاء).. وبعد ان خرجت هذه المؤسسات عن هوامشها وأدوارها المهنية، لتلعب دورا قتاليا، هاهي ترتبك في انتظار توزيع الغنائم…
اي ان «الدولة» أو (هياكلها المؤجلة) تدمر الدولة (بأفقها / وقدرتها على التعبير عن اجتماع جديد، يعبر من مرحلة ماقبل الدولة…).
ــــ 3 ــــ
وكما يبدو المشهد الان فهذه لحظة التهام الشباب (بمعناه السياسي، لا الزمني…). أو استبداله بما يمكن تسميته «شباب الدولة» الذي يعمل في تجديد دم «المنظومة»…. عبر السعي مثلا إلى كيانات تشبه موديل مثل «منظمة الشباب»… أو إلى أحزاب يتم دعمها بأموال ودعم سياسي يجعلها تنافس على شغل الفضاء السياسي بالأساليب القديمة ذاتها ( شراء الأنصار والأعضاء بمال سياسي هابط من جهة ما / وهياكل كرتونية للأحزاب يجعلها رهن الأوامر التلفونية..)… ورغم فراغ الساحات كلها إلا ان المجموعات التي جاءت لتحكم باسم «إنقاذ الدولة»، لا تثق في احد، ومن بينها تكويناتها ونخبها الشابة التي تصنعها بأيديها، فتدمرها أو تأكلها بعد قليل من خلقها.
هل تنجح المجموعة الحاكمة وحدها؟ وكيف؟ أم سيعود الاشباح للظهور مع فشل استعادة الاستبداد لدولته؟ أو فشل الدولة كما يبنيها الاستبداد؟