لا يعتقدن أحد، ان لبنان يُقصِّر في الوفاء للكبار.
أو في تكريم الأفذاذ.
وكان التكريم المذهل للعملاق والأسطورة شاهداً حيّاً على ذلك.
غابت الأسطورة صباح.
ورحل العملاق سعيد عقل.
ولبنان كان وفيّاً للاثنين.
عندما استيقظ الوطن، على خبر غياب صباح، كان صباحه أسود.
لكن الصبّوحة ظلّت ملكة.
وكانت في نظر الجميع، الملكة المتوّجة من عرش الأناقة والمجد صورة وصوتاً.
حافظت الأسطورة على مستواها الفني.
وعلى اختيار عمالقة الفن والشعر، من محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش وفيلمون وهبه، والأخوين رحباني والسنباطي وجورج جرداق ومرسي جميل عزيز وسواهم.
الرئيس فؤاد السنيورة قال بعد تعزيته بالصبوحة، ان البلاد تكبر – وهي الآن كبيرة – بأمثال سعيد عقل وصباح.
وأردف: ان لبنان تعوّد أن ينصف الكبار.
هكذا فعل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وها هو يكرّر نفسه الآن.
وان ما أخذته الحرب يستعيده الوطن الجريح بعد رحيل صباح وسعيد عقل.
كان الوزير رشيد درباس يقدّم تعازيه الى نجل الراحلة الكبيرة الدكتور صباح القادم من الولايات المتحدة، فقال ان لبنان يشمخ ويزهو بأمثال الشحرورة.
هي غابت وحضر صفوة اللبنانيين، والعرب، من كل الأصقاع والأمصار، لإلقاء نظرة وداع، الى مَن لا وداع مثل وداعها في التاريخ الحديث.
ولا نظير لتكريمها، ولا حزن مثل الحزن على رحيل الشاعر العظيم سعيد عقل.
كانت لسعيد عقل جائزة شهرية يمنحها لرواد الابداع شعراً ونثراً.
أما مبررات الجائزة، فكل عمل ابداعي شعراً أو نثراً، وهو صاحب مؤسسة فكرية تختار معه الجائزة، ويتم تقديمها الى مَن رست عليه.
أحب سعيد عقل الانسان.
دافع عنه بالكلمة واللحن.
وكان يردد بأن العبارة الجميلة قصيدة من ذهب.
هل كان سعيد عقل شاعراً عظيماً، كما كانت صباح مطربة نادرة صوتاً ودماثة.
ذات مرة حضر نزار قباني الى بيروت، لأمسية شعرية في حقبة سبعينات القرن الماضي.
سألوه في نهاية أمسيته: عمن يكون أمير الشعراء في العصر الحديث؟
ورد نزار: بعد أحمد شوقي مالت إمارة الشعر صوب الأخطل الصغير.
لكن أفضل من يلقي الشعر وينظمه هو سعيد عقل.
وفي رأي رائد الغزل، أن سعيد عقل جمع في شعره: الرمزية والنوعية وهو يتلو قصائده بلسانه ويديه. وبين الصوت الرقيق في حنجرته والرخيم أحياناً، تطلع القصيدة على لسانه من عيون الشعر.
هل كان نزار قباني يتهرب من موضوع الإمارة أم انه أراد إنصاف سعيد عقل بما لم ينصفه به أحد سواه؟
كان سعيد عقل عالماً في غلالة شاعر.
… ويختصر في نثره الافكار.
ويضع الكلمات، كما يضع الجوهرجي ذهبه على سبائكه.
من خصوصياته، أنه لم يعتلِ منبراً لوجه الله.
بل كان همه انصاف رواد الأوزان والكلمات.
ذات مرة صعد الدكتور ميشال نجار عميد كلية الهندسة في جامعة البلمند، ونائب رئيس الجامعة، ليرحب به شعراً ونثراً، فذهل سعيد عقل بمواهبه المتعددة الاوجه وبادره: لست قليلاً في المواهب يا حضرة المهندس. إنك تتكلم وتشعر، وكأنك سعيد عقل.