طمأنت المملكة السعودية فرنسا خلال الزيارة الاخيرة لولي العهد محمد بن نايف قبل أيام قليلة الى ان الصفقة التي تم الاتفاق عليها معها من أجل مد لبنان بالاسلحة لا تزال قائمة، لكن هذه الاسلحة ستذهب الى الجيش السعودي بدلا من الجيش اللبناني. ولعل الاميركيين أيضا سيحصلون على الاطمئنان نفسه لجهة ان تدفع المملكة الاستحقاقات المتوجبة عليها لقاء بعض الاسلحة للبنان من دون ان تصل اليه ايضا. فدحضت السعودية بذلك على نحو مباشر ما ذهب “حزب الله” الى الترويج له من منطق الانهيار المالي الذي تعانيه المملكة نتيجة الحرب التي تخوضها ضد الحوثيين في اليمن، وهو منطق يجد تعميما او ارضا خصبة له في بعض الاوساط الغربية كذلك. جرى الحديث عن أن العلاقات بين السعودية وفرنسا في افضل احوالها. فالدول تعمل وفقا لمصالحها وبمنطق المقايضات والمبادلة السياسية التي ادت في الاصل الى إعطاء هذه الصفقة لفرنسا مثلا وليس للولايات المتحدة في الدرجة الاولى. كما أن إجماع الموقف العربي بات يختصره الاجماع الخليجي في ظل مواقف ملتبسة لدول عدة تحاول أن تراعي وضعها الداخلي الامني الهش بحيث لا تستطيع ان تأخذ موقفا سياسيا حاسما في ظل ما يتهددها وفي ظل حاجتها الكبيرة الى الدول الخليجية اقتصاديا وماليا. وهذه القيادة السعودية للاجماع العربي في هذه المرحلة لا تبدو قابلة للمساومة او للتغيير في هذه المرحلة نتيجة التحديات المصيرية التي تواجهها المنطقة، ولا يبدو ايضا وفق ما اظهرت رغبتها في التساهل بحيث ان البيانات العربية باتت شبه جاهزة للاقرار وليس للبحث في الاجتماعات التي عقدت اخيرا، مما يعني ان هذا المنحى لا يحمل تفاؤلا بالنسبة الى لبنان اولا في ظل استحقاقات من اجتماعات عربية او سواها ستكون حادة في مواقفها ازاء مواقف ” “حزب الله” وما تركه تدخله في دول المنطقة من انعكاسات سلبية على الوضع اللبناني، وثانيا في ظل اجراءات لا تبدو انها ستتوقف قريبا عند حد معين. لذلك يقف لبنان على شفير وضع اكثر من صعب ويخشى ان يسقط في المزيد من الاهمال بفعل أمرين أساسيين، أولهما أنه قد يسقط من اي سلم اولويات خارجي متى سقط من سلم الاولويات العربية وان الزيارات المتعددة التي يشهدها تتصل بالاعتبارات الامنية او نتيجة موقعه الذي يسمح لزواره بالاطلالة على وضع دول الجوار منه واقتناص المعلومات حولها وليس نتيجة احتمال ان يطرأ اي تطور على وضعه الداخلي نتيجة مبادرات ما. وثانيهما ان ملامة كبيرة تقع على ابنائه ولا سيما الموارنة منهم في اهدار الفرصة تلو الفرصة من اجل انتخاب رئيس للجمهورية يقود لبنان في مرحلة التحولات التي تمر فيها المنطقة علما ان الوقت قد فات على ذلك ولم يعد ذلك ممكنا او محتملا في هذه المرحلة. وثمة رأي ديبلوماسي غربي واسع يحمل الزعماء المسيحيين مسؤولية مباشرة في عرقلة اقتناص الفرص الملائمة لملء الموقع المسيحي الرئاسي الوحيد في المنطقة وفي ظل غياب اي رؤية استراتيجية لما ينبغي ان يعتمد اذا كان سيتعين على لبنان انتظار نهاية الازمة السورية لانتخاب رئيس او اي رؤية لموقع المسيحيين في ظل ما يجري في المنطقة. ولفت الى أن الشرخ الذي أحدثه “حزب الله” مع الدول الخليجية لم يسبب إحراجا كبيرا للقوى المسيحية الحليفة التي ابتعدت عن الادلاء بدلوها في صراع قد يكون موجعا جدا لها في ظل وجود ألوف الشباب اللبنانيين العاملين في الخليج، بغض النظر عن اقتناعهم بصوابية المنطق الذي يقول به الامين العام للحزب عن حرب يخوضها في مناطق عدة من العالم العربي والعالم، او اقتصار اقتناعهم على واقع ان الحزب “مقاومة” فحسب، بل هو اثار اسئلة صعبة عن الموقف الذي يمكن ان تأخذه هذه القوى او قد تكون مطالبة بأخذه ومن بينها مرشحين رئاسيين من حلفاء الحزب في ظل ازمة قاسية جدا بالنسبة الى لبنان وفي ظل صراع مذهبي يصعب الاصطفاف فيه لكن يصعب الاصطفاف خارجه ايضا. فالمسألة الخطيرة ان هذا الصراع على لبنان لم يعد للمسيحيين رأي يبدونه او موقف يتخذونه فيه كما لو ان الصراع بين المحورين الشيعي الايراني والسني السعودي يعفي الزعماء المسيحيين من موقف موحد يتصل بوجودهم ورؤيتهم للبنان ولمستقبله. وحتى الان لا تزال الروزنامة الداخلية الضيقة تدور حول الاعتبارات الرئاسية علما ان الرئاسة في خبر كان فيما لا ترد الهواجس الاستراتيجية التي يفترض ان تشكل اولوية ملحة تجمعهم للاتفاق على رؤية موحدة يمكن ان تساهم في انقاذ البلد من ان يذهب ضحية التجاذب بل الاشتباك الاقليمي.
النتائج المباشرة لهذا الواقع المأزوم وللعجز الذي اثبتته القيادات اللبنانية على ان تتولى بنفسها حل ازمة بديهية كأزمة النفايات انها تهرب الى الانتخابات البلدية وقد ايقنت انها لم تعد تملك ما تقدمه في موضوع الرئاسة بعدما دفعته الى ايدي الخارج. فهذه الانتخابات تشكل استحقاقا ضروريا وطبيعيا في موعده لكنها ايضا بالنسبة الى بعض المراقبين الديبلوماسيين والسياسيين متنفسا بديلا من عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية او من اجراء انتخابات نيابية راهنا على رغم ان الشكوك تبقى كبيرة في رغبة بعض الافرقاء في حصولها، وهي محاولة ايضا من بعض الافرقاء من اجل تعزيز المواقع ايضا في غياب وجود رئيس للجمهورية ومن اجل إلهاء الناس عن محاسبة يفترض ان يجروها لزعمائهم ويعجزون عن القيام بها.