الجلسة مع غبطة البطريرك مار بطرس بشارة الراعي مهمة ومفيدة. فالرجل الذي يجلس سعيداً على كرسي مار يوحنا مارون هل هو سعيد فعلاً؟ من خلال لقاء نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحافة معه، يوم أمس، في الصرح البطريركي في بكركي يأتي الجواب: «أجل، ولا». فهو سعيد كون العناية الإلهية إختارته للمهمة الجلل في الزمن الصعب، لدور يتخطى المذهب فالطائفة ليصل الى الإنسانية السمحاء والكونية الرحبة. وهو غير سعيد بالطبع كون لبنان الذي يعرفه غبطته، كما عرفناه نحن في ميعة الصبا وزهوة الشباب، لم يبق منه إلاّ الذكريات في أذهاننا، والغصة في قلوبنا، والزهوة في ما أنتجته عبقرية الأخوين رحباني وجوهرتهما، ماسية الصوت، السيدة فيروز، وقلة من الندامى ورفاق دربهم في الزمن الجميل.
يتحدث غبطته بهمة الشباب وعزم الإرادة الصلبة، والإيمان الراسخ بأن وطن اللّه، لبنان، لا يمكن إلاّ أن ينهض من تحت الركام، وأن يستعيد رونقه وعافيته وألقه بالرغم من صعوبات متراكمة، وطبقة سياسية نفعية الى أبعد الحدود، وأمواج المنطقة الباردة وعواصفها الحارة في آن معاً، وإرتهان كثيرين من أهل السياسة الى الخارج أتباعاً أذلاء، وكأنهم لم يمروا على طريق إسمه الكرامة، ولا تنعموا بشميمها! وبئس السياسة إذا كانت وصولاً للوصول!.
البطريرك مستاء وغير متشائم. فهذا الرجل الذي يحمل أعباء الوطن على منكبيه وكأنه في عزّ الشباب لا ولن يعرف التشاؤم اليه سبيلاً.
وغبطته يقرأ في الواقع المؤسف فلا تتمكن بشاعاته من أخذه الى خارج أسوار الأمل والرجاء. وهو ينتقد بشدة، ولا يتوانى عن الزجر حيناً، والثورة حيناً آخر (…) ولكنه يحب في كل حين. يحب هذا الوطن. يحب اللاجئين والنازحين وسائر المعذبين في الأرض. ولكنه يحب، أولاً، شعبه الذي بات ثلثه تحت خط الفقر كما قال لنا أمس.
هو بطريرك الحوار والإنفتاح، والحركة التي هي بركة… ولعلّ مئات آلاف الأميال التي قطعها من بكركي والديمان الى سائر أنحاء المعمورة تلتقي مع حراكه الدائم في الداخل، زائراً المدن والبلدات والأرياف، حاملاً الكنيسة الى أبنائها حيثما هم قبل أن يدعوهم اليها، أو وهو يدعوهم اليها. إنه رسول قدر ما هو الوالد الذي يضم أبناءه بين ذراعيه وهو الذي يرى في الناس جميعاً أبناء له: سيان أكانوا في جوار بكركي الديمان أم في آخر الحدود الشرقية / الشمالية والجنوبية.
وغبطته الذي يتكلم «بوحي الروح» يتسم كلامه بكثير من الحنكة، والواقعية والمسؤولية، وهو ما عرفناه فيه منذ أن كان منسقاً لأعمال السينودس من أجل لبنان في بابوية الطيّب الذكر مثلث الرحمات، البابا القديس يوحنا بولس الثاني… يومها كان لنا دور في مرحلة الإعداد لذلك السينودس (رئيساً للجنة الصحافة) فنقول بفخر واعتزاز إننا تعلمنا منه الكثير. وليت هذه العجالة تتسع للمزيد.