إذا كانت الدفاعات السورية، قد أسقطت دون الحاجة إلى S-300، 71صاروخاً مجنّحاً من أصل 103 صواريخ أميركية وفرنسية وبريطانية، فإن الترجمة الفورية لهذا تبلور معادلة متكاملة غير قابلة للكسر، أنَّ على إسرائيل أن تخاف من سوريا – الأسد.. لم يبقَ سوى تحديد إيران ساعة الصفر لاقتلاع «السرطان الإسرائيلي»! خصوصاً أنَّ «المفوّض السياسي» في «الحرس الثوري»، أي ممثل المرشد آية الله علي خامنئي، هدّد بمحو حيفا وتل أبيب عن الخريطة إذا تحرّشت إسرائيل ببلاده إيران؟
الضربة الثلاثية، التي لا علاقة لها بما يروّجه «الأسديون» بأنها تشبه «العدوان الثلاثي» الذي ضرب مصر – عبد الناصر (الهجوم الذي شنته إسرائيل وفرنسا وبريطانيا عام 1956 على مصر)، («أين الثرى من الثّريا»؟ وأين «الأسد من عبد الناصر»)، وجّهت ضربات محدّدة هدفها إيصال «رسالة» مضمونة إلى روسيا وإيران، بأنهما ليسا «اللاعبين» الوحيدين في سوريا.
بالفعل وصلت «الرسالة». لا روسيا تدخّلت ولا إيران لاحقت الصواريخ تماماً كما فعلت أمام القصف الإسرائيلي لمطار T-4 الذي أسفر عن مقتل عقيد وجنوده السبعة من «الحرس الثوري».
الآن ماذا بعد هذه الضربة «الترامبية»؟
الرئيس دونالد ترامب، الذي يتصرّف دائماً كرجل أعمال يريد التأثير في محاوريه. قال أولاً «إن المهمّة أُنجزت»، ثم قلّص فعل هكذا «عبارة» مهمّة – بالقول: «إنها عبارة عسكرية رائعة»! – من الثابت أنَّ سوريا أغرقت في دمار مدنها وفي مستنقعات نصف مليون ضحية ولا تهم كل العبارات سواء كانت رائعة أو بشعة. المطلوب أفعال يتم من خلالها وبها «تفعيل عملية السلام» أولاً وأخيراً.
من الواضح، أنّ الغارة، أسقطت من بين ما أسقطته حرية العمل الروسية لفرض حل سياسي في سوريا تصيغه موسكو على قياسها مع بعض الخطوط الإيرانية والتركية. التشديد على قرارات جنيف، يضع نقطة نهاية لحصر العمل في آستانة وفي سوتشي وأنقرة وطهران. الغارة أعادت فتح الطريق إلى جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة مع ترك الباب مفتوحاً أمام موسكو وطهران.
التجربة «الأوبامية» في الرد على «الخطوط الحمراء»، أنتجت عدم الثقة بكل الوعود والالتزامات. الإعلان عن تدمير مركز الأبحاث ومواقع تتضمن أسلحة كيماوية في الغارة الأخيرة يؤكد أنَّ النظام الأسدي ما زال يملك الكثير منها، وأنَّ قصف دوما بما يملك في مستودعاته ما زال ضخماً وفعّالاً وجدياً ومؤلماً.
«الإدارة الترامبية» (خصوصاً القيادة العسكرية منها) تُشدد على أنه يجب «ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية، وإلحاق هزيمة مؤكدة بداعش» والأهم «ضمان وجود نقطة مراقبة جيدة مناسبة لما نقوم به». إيران وواشنطن تواجهان أيضاً موعداً صعباً ودقيقاً وهو التعامل مع الاتفاق النووي خلال الشهر القادم. أي تراجع أميركي مجاني، يُسقط كل اعتراضاتها بضربة إيرانية قاضية.
أمام واشنطن وباريس ولندن ومعهما 67 وفداً دولياً سيجتمعون في بروكسل في 24 – 25 نيسان – أبريل الحالي، موعد لا يمكن التهرّب منه. إذا تم التوصل الى قرار جماعي يُنتج مساراً يتقدم عليه الحل السياسي في سوريا يصبح كل شيء معقولاً ومقبولاً، وتكون الغارات فعّالة ومنتجة لخط أحمر لا يمكن تجاوزه ولا كسره، وليس مجرّد أسهم «نارية»، لإعلان الوجود.
تفعيل المفاوضات حول سوريا ودفعها نحو تحقيق حل سياسي حقيقي أصبح مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، وكذلك عودة الأمم المتحدة للعب دور فعال بالتعاون الكامل مع روسيا، وكل تأخير في فتح مسار للحل، يضع منطقة الشرق الأوسط أمام أخطار مؤكدة تتجاوز في نتائجها الكارثية كل ما سبق.
ما يُعزّز احتمال سيناريو الكارثة أنَّ إسرائيل تؤكد يومياً بأنها «تملك حرية تحرك كاملة.. وهي لن تسمح لإيران بالتمركز في سوريا». قصف مطار T-4 كان رسالة ميدانية واختباراً موضعياً للعجز الإيراني. المشكلة «أنّه ليس في كل يوم تسلم فيه الجرّة». أي لحظة معيّنة يقع فيها إحراج لطهران والنظام الخامنئي، أمام الشعب الإيراني قبل الشعوب الإسلامية، ستحمل رد فعل تتدحرج معه كل الاحتمالات.
ما يُعزز التدحرج إلى حدود الكارثة، أن جنرالات من «الحرس الثوري» يراودهم طموح القفز إلى السلطة، وخلافة خامنئي تدغدغهم، حتى ولو على حساب المؤسسة الدينية أو في أحسن الأحوال بالتعاون معها، بحيث تبقى «حجاباً» يُظهر أكثر مما يُخفي. ويبدو أنَّ «المتشدّدين»، سيدعمون عملية الاستيلاء إذا ما تأكدوا أنه لا حظوظ لهم في إبعاد المعتدلين والوسطيين والإصلاحيين عن خلافة المرشد خامنئي، وبالتالي إبعادهم بعيداً عن السلطة.
إيران «جائعة» للاستيلاء على «حصة» ضخمة من سوريا باسم دعم المقاومة في لبنان. هذا «الجوع» قد يصبح قاتلاً في حالة التغيير أو العجز.
بانتظار ما سيحدث كل الاحتمالات واردة؟!