ليس في الإشارة الى الرعاية الدولية لتوفير المخارج للأزمة المتشعّبة في لبنان أيّ سرّ. فالسفيران الأميركي والسعودي وغيرهما حملوا ملفات عدة في الأيام الماضية وجالوا بها على القيادات المعترضة لإقناعها بتسوية للترقيات العسكرية أيّاً كان الثمن ولو شكّلت خروجاً على الدستور. فالهدف المنشود من هذه التسوية غالٍ وما هو مطلوب رخيص. كيف؟
تتداول الأوساط السياسية والحزبية والحكومية في صالوناتها المقفَلة بصراحة سيلاً من النصائح الديبلوماسية الغربية والعربية التي تلقّاها المعترضون على التسوية المقترحة لملف الترقيات والتعيينات في المؤسسات العسكرية والأمنية، للموافقة عليها أيّاً كان الثمن.
فالمرحلة تقتضي تجاوز كلّ القوانين التي توفّر مزيداً من الإستقرار الأمني والسياسي والإداري طالما أنّ الجميع عاجز عن انجاز الإستحقاق الرئاسي في هذه المرحلة بالذات ولتدارك مخاطر ما هو متوقَع في قابل الأيام.
ليس سراً القول إنّ الولايات المتحدة الأميركية مدّدت للسفيرين ديفيد هيل وعلي عواض عسيري مهماتهما في بيروت، وأرجأت نقلهما الى مكان عملهما الجديد خارج ما تقول قوانين بلديهما بهدف إستمرار الرعاية الدولية والإقليمية للوضع في لبنان وضمان الإستقرار الأمني والسياسي فيه.
وعليه، فقد سجّل المراقبون لهيل وعسيري حركتهما المكوكية في محاولة لفكفكة عقد الأزمات التي تعقدت وتشابكت، فتمّ ربط أزمة التعيينات والترقيات العسكرية بملف النفايات تزامناً مع انطلاق الحراك الشبابي في وسط بيروت وشلّه، وصولاً الى آخر المسلسل الذي قد لا ينتهي بفعل المفاجآت اليومية المتنقلة من وزارة البيئة الى المطامر وصولاً الى وزارة الطاقة.
كلّ ذلك يجرى، على رغم الجهود الجبارة التي بذلت لتطويق الملفات المفتوحة فيما عقد الأمل على إحياء الحوار بين الأطراف اللبنانية في ساحة النجمة سعياً وراء خرق ما في الحائط السميك الذي أربك المسؤولين على كلّ المستويات. ولذلك فُتح النقاش لتمرير التعيينات والترقيات العسكرية لفتح الأبواب الموصدة أمام رزمة من الحلول.
أمّا وقد وصلت الأمور الى ما وصلت اليه من جمود، فقد ارتفع منسوبُ التدخّل الخارجي لمواكبة المخارج التي اقترحها البعض، ولا سيما منها تلك التي طبخت بإشراف رئيس مجلس النواب نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط على نار الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» والتي أنتجَت النقاط التسع بصيغتيها الأصلية والملغومة. فقد بذل السفيران الأميركي والسعودي جهداً إستثنائياً لإمرار التسوية.
فجالا على القيادات الرافضة للتسوية شخصياً أو عبر الهاتف حيث كان التدخل المطلوب سريعاً ولكن بلا جدوى. ويعترف البعض أنّ السفيرين واجها مواقف رافضة وصلبة تستند الى ما يدعمها عندما يكون الحلّ المقترح خارج ما يقول به قانون الدفاع وحق الضباط – العمداء بالمساواة وتكافُؤ الفرص ومنعاً لإضطرار البعض – الذي بدأ يجاهر برفضه للإستنسابية في الترقية – الى ركوب الموجات السياسية والحزبية للوصول الى الرتب والمراتب التي يحلمون بها خارج ما تقول به القوانين الصارمة التي تتحكّم بالمؤسسة العسكرية والمستندة أصلاً الى مبدأ «نفّذ ثمّ اعترض».
وفي مواجهة المنطق الرافض، رسَمت النصائح الديبلوماسية صيغة أخرى تدعو الى الخروج عما يقول به الدستور والقانون هذه المرة أيضاً، والتطلع الى الهدف المنشود على أنّه أغلى بكثير من مجرّد خرق لهما، فالترقيات هذه ستكون المفتاح السحري لبوابة تجاوز الأزمة الحكومية وما تواجهه هيئة الحوار الوطني. وبالتالي فإنّ ما هو مطلوب سيكون رخيصاً جداً.
فالعماد ميشال عون المستفيد من هذه الترقيات تراجع كثيراً في سلم مطالبه وتراجع من كونه مرشحاً رئاسياً الى طلبه تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش وصولاً الى ترقيته من رتبة عميد الى لواء.
وعليه، قالت النصائح: ألا يستأهل الإنتقال بالبلاد من الجمود القاتل السائد حالياً الى تحريك العمل الحكومي وإستئناف هيئة الحوار مثل هذا الثمن؟ عدا عن أهمية إقفال هذا الملف بالسرعة القصوى. ففي لبنان قوى وازنة لا يعنيها ما ستكون عليه حال المؤسسة العسكرية وتعتقد أنها تزيد قوة كلما ضعفت الدولة واهتزّت معنويات الجيش.
الى ذلك تقول النصائح إنّ المنطقة مقبلة بعد التدخل الروسي في سوريا على مرحلة مليئة بالمفاجآت الكبرى وقد تنتج فوضى على الأرض شبيهة بالفوضى في الأجواء السورية التي باتت مسرحاً لكلّ أشكال الطائرات وجنسياتها المختلفة التي تُمعن في تدمير ما تبقى فوق الأرض من حجر وبشر، فمَن يضمن أنّ لبنان سيبقى في منأى عن فوضى مماثلة.