Site icon IMLebanon

وجوم وفتور بين لبنان والخليج

بدأ وجومٌ يسود المناخ الخليجي إزاء لبنان نتيجة المواقف الأخيرة لكلّ مِن رئيس الجمهورية العماد ميشال عن والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، فالأوّل دافعَ عن سلاح المقاومة واعتبرَه مكمّلاً لسلاح الجيش اللبناني في مواجهة إسرائيل والإرهاب، والثاني نوَّه بمواقف عون وصعَّد حملته على المملكة العربية السعودية ودولِ خليجية أُخرى على خلفية الأزمات التي تعيشها سوريا والعراق والبحرين واليمن.

هذه المواقف انقسمت الأوساط السياسية اللبنانية حولها إلى فريقين:

الفريق الأول، رأى أنّ مواقف عون كانت مبدئية إزاء سلاح حزب الله منسجماً مع نفسه وموقعه السياسي قبل الرئاسي، فهو حليف الحزب الذي كانت له اليد الطولى في إيصاله الى سدة الرئاسة، ومتفق معه، بل مقتنع بجدوى استمرار المقاومة الى جانب الجيش اللبناني «الضعيف» الإمكانات سواء في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية او في مواجهة الارهاب.

فضلاً عن انّ عون عبّر عن موقف لم يجد فيه ما يسيء الى علاقة لبنان بأشقّائه العرب، لأنّ المقاومة في ما تؤديه من دور في ردعِ الاعتداءات الاسرائيلية عن لبنان أو في مواجهة الإرهاب في الداخل وعلى الحدود اللبنانية – السورية لا يضير الدولَ العربية الشقيقة، وهذه المقاومة هي حق تقرّه كلّ المواثيق والأعراف الدولية التي تمنح الدول حقّ مقاومة أيّ اعتداء أو احتلال تتعرّض له.

أمّا مواقف السيّد نصرالله من السعودية والدول الخليجية الاخرى، فقد رآها هذا الفريق «مواقفَ سياسية تتصل بطبيعة الأزمات والنزاعات الدائرة في المنطقة والتي يتواجه فيها محوران: الأول يسمّي نفسَه محور «المقاومة والممانعة» الذي ينتمي حزب الله إليه، وتقوده إيران وسوريا. والثاني محور «دول الاعتدال» الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

وبالتالي فإنّ مواقف نصرالله تندرج في سياق النزاع الدائر بين هذين المحورين ولا تعبّر بالضرورة عن موقف لبنان الرسمي القائل بالابتعاد عن نزاعات المنطقة، وفي الوقت نفسِه لا تخرج عن الانسجام مع مواقف المحور الذي ينتمي إليه.

أمّا الفريق الثاني فيقف على نقيضٍ كامل مع الفريق الأول في نظرته الى مواقف عون ونصرالله، ويرى انّ على رئيس الجمهورية ان لا ينحاز الى ايّ موقف، خصوصاً إزاء القضايا الخلافية بين الأفرقاء السياسيين، ومنها قضية سلاح حزب الله والمقاومة، وهو في ما أعلنَه إنما يعيد ربط لبنان عميقاً بأزمات المنطقة، خلافاً لرغبة المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي عبّرت قبَيل انتخابه وبعده وعبر موفديها الى بيروت، وخلال جولته على الرياض والدوحة، عن «ضرورة ابتعاد لبنان عن النزاعات الخارجية» تنفيذاً لـ«خطاب القسَم».

ويعتبر هذا الفريق انّ عون في مواقفه الأخيرة جعل نتائج جولته على الرياض والدوحة موضعَ بحثٍ، ويُخشى ان لا ينفّذ منها إلّا الشق المتعلق بتحسين العلاقات الثنائية شكلاً، من دون ترجمات وعود بمساعدة لبنان، وخصوصاً مؤسساته العسكرية والأمنية التي يُراد إحياء الهبة السعودية ذات المليارات الأربع من الدولارات التي أُعلن انّها تُرِكت للبحث بين الوزراء المعنيين في البلدين.

وإلى هذا، يقول الفريق نفسُه، إنّ كلام عون معطوفاً على مواقف السيّد نصرالله المنتقدة دول الخليج ولّدا «نقزة» لدى هذه الدول جعلها تُراجع حساباتها وتتريّث في أيّ خطوة عملية تجاه لبنان، وينتظر مجيء موفدين خليجيين الى بيروت قريباً بغية الوقوف على حقيقة ما حصَل، خصوصاً أنّ هذه الدول لم تلحَظ ردود فِعل داخلية بارزة تحتجّ على تلك المواقف، وتحذّر ممّا يمكن ان تتركه من سلبيات على العلاقة اللبنانية ـ الخليجية، وذلك أقلّه من الأفرقاء السياسيين حلفاء هذه الدول، الذين سمع بعضهم عتباً ولوماً خليجيين عاليَي المستوى.

ويَخشى هذا الفريق من إحجام بعض دول الخليج عن أيّ مبادرات عملية تجاه لبنان، أو استئخارها ورهنها بتطوّر الأوضاع في المنطقة من دون إهمال العلاقات مع لبنان في مجالات محددة، ومنها مجال تقديم المساعدات للمؤسسات الجامعية والتربوية والصحية ومؤسسات العمل الاجتماعي التي تشكّل الوجه الآخر للعلاقات بين لبنان ودول الخليج، وقد بدأ بعض هذه المؤسسات بتلقّي هذه المساعدات أخيراً.

بل إنّ هذا الفريق يتوقع ان تتعاطى دولُ الخليج في قابل الأيام «بشيء من البرودة والحذر» في علاقتها مع لبنان، وتحديداً مع رئيس الجمهورية، لاقتناعها بأنه «لن يحيد عن مواقفه»، خصوصاً أنّ الذين حاولوا استيضاحه موقفَه الأخير من حزب الله لمسوا تأكيداً منه أنّ هذا الموقف ليس موجّهاً ضد دول الخليج العربي، ولا يعني دعماً لموقف الحزب منها، وإنّما هو موقف موجّه الى الداخل ويتّصل بإمكانات لبنان في مواجهة الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية، وكذلك في مواجهة الإرهاب الذي يستهدف لبنان والدول الشقيقة والصديقة.

وفي صَدد مواقف السيّد نصرالله، يجد فيها الفريق نفسُه ما يؤثّر سلباً على مصالح لبنان واللبنانيين في دول الخليج، فضلاً عن أنّها أحرَجت رئيس الجمهورية وكذلك رئيس الحكومة سعد الحريري كونهما يعملان على إعادة تطبيع تلك العلاقات نتيجة ما اعتراها من فتورٍ وشوائب كادت توصلها إلى القطيعة منذ تصاعدِ الحملات بين تلك الدول وعلى رأسها السعودية وبين حزب الله، في الوقت الذي كانت الرياض ولا تزال تمارسُ سياسة انفتاح على جميع الأفرقاء اللبنانيين، سواء من خلال اللقاءات التي تُعقد مع سياسيين لبنانيين من مختلف الانتماءات، أو من خلال النشاطات واللقاءات والزيارات المتنوّعة التي يقوم بها رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في بيروت الدكتور وليد البخاري في انتظار تعيين سفير سعودي جديد.

وذهبَ البعض الى القول إنه ما كان على السيّد نصرالله أن يكرّر مهاجمة بعض دول الخليج التي دأبَ عليها في مناسبات متلاحقة سابقة، كونه يدرك مدى الحساسية التي بلغَتها العلاقات اللبنانية ـ الخليجية عموماً واللبنانية ـ السعودية خصوصاً، ويدرك في الوقت نفسه «التحسّن الواعد» الذي طرأ عليها بنتيجة زيارة عون للرياض والدوحة والتي ستليها زيارات لبقيةِ العواصم الخليجية، ولكن يبدو أنّ ما حصَل قد يمنع أو يؤخّر هذه الزيارات لأنّ الدول المعنية قد تتريّث في استقبال أيّ مسؤول لبناني في هذه المرحلة.

في المحصّلة عادت العلاقة اللبنانية ـ الخليجية فاترةً ومحفوفة بشيء من التوتر، ويبدو أنه بات من الصعب إعادة تطبيعها قبل توافرِ الحلول للأزمات الإقليمية، أو على الأقلّ حصول تلاقٍ سياسي ما بين الرياض وطهران، لأنّ مثلَ هذا التلاقي ينعكس إيجاباً على كلّ تلك الأزمات وليس على لبنان فقط، لكن ليس في الأفق أيّ مؤشرات قريبة إليه.

ما يفرض على الأفرقاء اللبنانيين التزامَ تهدئة سياسية تواكب الاستقرار الأمني الذي يتعرّض للاهتزاز من حين إلى آخر، إمّا بتفجير أمني أو بتفجير سياسي.