IMLebanon

“كلّن يعني كلّن” خارج الحكومة

 

 

هل تبدو الفسحة المتاحة لإحداث خرق في جدار المأزق اللبناني قابلة للاستغلال من الطبقة السياسية التي تتخبط في عجزها عن التقاط الحاجة إلى تغيير سلوكها لإفساح المجال أمام إنقاذ الوضع المالي – الاقتصادي في البلد؟

 

هذه الفسحة لا تتجاوز العشرة أيام وفق ما يردده رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحتى أوساط “حزب الله”، في وقت ما زال رجال السلطة يسعون إلى إنقاذ أنفسهم من ضريبة التنحي جانباً تحت وطأة الانتفاضة الشعبية ضد فشل حكم وعدهم بالمن والسلوى، بدلاً من أن يسعوا إلى صيغة تنقذ الاقتصاد ومالية الدولة.

 

كان رئيس الحكومة سعد الحريري استشعر الحاجة إلى التغيير باستقالته منذ 8 أيام، قبل شركائه في التسوية الرئاسية التي تقوم عليها دعائم السلطة السياسية. كان من الطبيعي أن يعتبر أن ما بعد 17 تشرين الأول غير ما قبله. فمنذ اليوم الأول أدرك أن الشباب اللبناني المنتفض، فقد الثقة بالطبقة السياسية وتركيبة الحكم. بل هو وافق من قال له إنه لو كان أبناؤه في بيروت لنزلوا إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح. ومن المؤكد أنه استشعر ضرورة إحداث صدمة أولية بالاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره جبران باسيل، وقبل “حزب الله” الذي ما زال يتعامل مع الانفجار الشعبي على أنه سيؤول إلى النهاية قريباً. قوى أخرى سبقت الحريري إلى اكتشاف الحاجة إلى التغيير منها حزب “الكتائب” الذي رفض الاشتراك في السلطة، ثم حزب “القوات اللبنانية” الذي نادى باستقالة الحكومة قبل زهاء شهرين من الانتفاضة، فانسحب منها قبل انعكاس النقمة الشعبية في الشارع، فيما شجع الغضب الشعبي “الحزب التقدمي الاشتراكي” على الدعوة إلى حكومة اختصاصيين ومستقلين عن القوى السياسية، باعتبار تغيير الحكومة بالنسبة إليه كان الخطوة الحتمية المطلوبة فهدف تريثه في الاستقالة هو التناغم في التوقيت مع الحريري.

 

خلاصة القول إن هذه القوى بدت مستعجلة على القفز من مركب التسوية الرئاسية التي تحولت بالنسبة إلى بعضهم هيمنة فريق على مقدرات السلطة باعتماد أساليب التعطيل من أجل فرض الأخذ بمصالحه وبمطالبه وشهواته غير المحدودة. هذا التعطيل هو الذي أخّر العملية الإنقاذية من تفاقم الأزمة الاقتصادية عبر إخضاعه الإصلاحات المالية والإدارية داخل الائتلاف الحكومي، تارة لمقايضتها مع المكاسب الإدارية والسلطوية التي يريدها، وطوراً باتباع الأساليب الشعبوية في طرح اقتراحات التصحيح المالي من أجل الظهور بمظهر المنقذ.

 

لكن الأهم أن الحريري والقوى المذكورة حسموا موقفهم بضرورة التنحي جانباً لإفساح المجال أمام وجوه جديدة تتولى المسؤولية بدلاً منهم في الحكومة الجديدة كي تتولى العملية الإنقاذية، نظراً إلى غياب الثقة بكامل الطاقم الحاكم. فالجمهور الواسع، بما فيه جمهور الأحزاب التي شكت من العراقيل التي وضعت في دواليب الإصلاح، فقد الأمل في قياداته، حتى تلك التي تتمتع بقدر من القدسية مثل قيادة “حزب الله”.

 

الحريري نفسه، على رغم ربط المساعدة الخارجية للبنان بعودته إلى ترؤس حكومة من المستقلين ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة، وعلى رغم تفضيل “حزب الله” توليه المسؤولية مجدداً، بات يميل إلى ترك المهمة لغيره إنفاذاً لشعار “كلّن يعني كلّن” على الأقل في ما يخص تركيبة الحكومة العتيدة. ولعل هذا ما كان يقصده في الأيام الماضية من المداولات التي توخت ممارسة الضغوط عليه كي يقبل بتوزير باسيل، حين أخذ يردد أنه لا يبحث عن التكليف ولا يستجديه، بل إن همّه معالجة الأزمة الكبرى التي يمر بها البلد.