Site icon IMLebanon

الحجر على الحكومة مستمر

 

حكومتنا العتيدة محجورٌ عليها بجملة من الأحكام، وفي طليعتها، حجرٌ غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة، وغير محدّد بمهلة زمنية، بل هو خاضع لأحكام الفرض ولقواعد الأمر الواقع، ولتجاهل كل تلك الأصول القانونية التي تحيل النظر في شأن إداري – قضائي محض إلى مراجعه الرسمية المختصة.

 

رئيس مجلس الوزراء يصنّف هذه المعضلة في إطار المعالجة التي تزيد من عملية إغراق البلاد والعباد في وحول الفوضى العارمة، وتعميق عملية الإنحدار في مهاوي الإنحلال والزوال، والإحتراق في لهبٍ «جهنم» التي تأكل كل طاقة وإمكانية قد تكون متبقية لدى جموع اللبنانيين الساحقة حيث تخضع دون الوصول إلى نهاية ما، لكّل مواجع ومسببات فجوات المزالق التي تدفع بنا إلى غوص في أعماق المأساة المستمرة حتى حصول معجزة ما، قد توقف لبنان وأهله عند قعر ما، ليتبين للبنانيين أن كل قعرٍ وراءه وبعده قعرٌ أدهى وأعمق وأشد.

 

دولة الرئيس ميقاتي من خلال عزوفه عن معالجة عملية ما للوضع الحكومي باستثناء وضعه في إطار المعالجة الهادئة والرصينة والقول المتعقل والنوايا الحسنة، وهذا ما تثبت الأحداث وتطوراتها فضلا عن الخفايا والخبايا التي تحفّز وجودها وتخلق من حولها دافعا لاستمرار مسيرتها، أنه يجابه الواقع المتصلب، بمعالجة بعيدة عن الحلول التي تعيد البلاد وأهلها إلى سكة السلامة وإلى طريق الإنقاذ والخلاص.

 

الغريب العجيب في هذا الموقف المتهاوي إلى مستوى الرضوخ والاستسهال في معالجة قضايا وطنية وميثاقية وإنقاذية مرتبطة في كل إطاراتها بمصلحة البلاد ووجوبية إخراجها من مأساتها الضاغطة لدرجة الإطباق على الأعناق، وقد عارضها في بداياتها وفي منطلقها المبدئي، فخامة الرئيس ، وباعتراض منه بدا حازما وجازما في وجه تمكين البلاد من متابعة سيرها، وربطه بشكل معقول ومقبول بمسيرة الإنقاذ والخلاص، التي تحفظ للبنان وحدته الوطنية، وتبقيه بلدا موحدّا دون معاناة حادة في سلامة أراضيه وبعدها عن أخطار التقسيم والفدرلة، وتعيد إليه إمكانية النهوض ووقف الإنهيارات الحادة التي قد تصل إلى مواقع الإنحلال والتفتت ، إنطلاقا من قولٍ مؤسف تردد أخيرا على لسان أحد المسؤولين بأن المسيرة الممسكة بالسلطة هي التي يقتضي أن تسود وأن من يخالف هذا التوجه عليه أن يجد لنفسه حلّا مناسبا.

 

ما نستغربه في هذا الإطار، أننا بالرغم من بعض المواقف المعارضة لاستمرار الوضع الحكومي على حاله من الحجر والجمود ومنع مسيرته باتجاهات تحافظ على حدود دنيا من الإيجابية التي تتيح للوطن الخروج من مآسيه القائمة، بعد أن أملنا خيرا من تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي (على ما تضمنته من بعض السلبيات والمآخذ خاصة تلك التي رافقت نشأتها على أسس غير مريحة وغير متوازنة) فإذا بنا نصدم بُعيد تأليفها بفرمان الحجر والتجميد المستمر حتى تاريخه وحتى إشعار لا تبدو له نهاية محددة وواضحة، ولا شك في أن موقف فخامة الرئيس بمطالبة رئيس الحكومة بتعيين جلسة تتجاوز الموقف المعارض، قد جاء في موقع يتماهى مع الإرادة العامة والموقف المستند إلى السلامة الدستورية والقانونية، وإن كان قد اكتفى بالموقف القولي ولم يستكمله بموقف إجرائي قاطع وحازم.

 

وبعد: أما وأن الحكومة لم تتمكن حتى تاريخه من مباشرة حياتها ودورها في حكم البلاد… حيث باتت تفتقر إلى وجودها من خلال جلسات مجلس الوزراء وممارسة صلاحياتها وإمكانية الإلتزام والتصرف ومباشرة العمل القانوني والدستوري والذي لا بد من وجوده بكامل ركائزه لنتمكن من الإنطلاق في مسيرة الإصلاح الشامل المطلوب محلّيا وإقليميّا ودوليا، والتي من دونها لن تتوفر الإمكانية الإقتصادية المستندة بشكل أساسي على إمكانيات الدعم العربي عموما، والخليجي خصوصا، والتي سبق أن كانت على مدى سنوات ومناسبات عصيبة ومتكررة،عمادا أساسيا في إعادة إيقاف لبنان على رجليه وإعادة بناء ما هدمته الأحداث والصدامات والخروق الأمنية المختلفة التي طاولته في بنيته الأساسية، وهي نفسها ما زالت تمثل أملا ووضعية إيجابية تلوح في آفاق الإحتمال والترقب بما يمكن أن يشكل مخرجاً محتملا يمكّن هذا الوطن المنكوب من تجاوز محنته التي تزداد مع مرّ الايام، حدّة وشدّة وانهيارات رهيبة الوقع والأثر، وهذا الوضع المهتز والمستفحل هو الذي دفع بالمملكة العربية السعودية وبلدان التعاون الخليجي، بل وبقية البلدان العربية التي أبدت جميعا كل منها في حدود إمكانياتها،أخلص النوايا والرغبات في إعادة لبنان إلى سكة السلامة على أن يُخرج نفسه ومسيرته الحاكمة والمتحكمة من إطاراتها العدائية للعالم العربي، ومنع الأذى المادي والمعنوي الذي ما انفك الوضع الحاكم والمتحكم يمارسه لمصلحة السيطرة الميدانية الغريبة على المنطقة، الأمر الذي تبدّى بوجه خاص، في الإنتفاضة الخليجية ورد الفعل العنيف بوجه الحكم اللبناني القائم والمتحكم والملحق لشتى أنواع الأذى المادي والمعنوي بتلك البلدان وصولا في ذلك إلى إطلاق تجارة الكابتاغون في المملكة مع ما تيسر من أفعال التحدي والتعدي والشتم المستمر والمتفاقم دون أن نغفل ذكر انكشاف المحاولات الإنقلابية الفاشلة التي طاولت بعض بلدان الخليج، ودون أن نلفت نظر دولة رئيس الحكومة إلى وجوب وضع حد لا بد من حصوله، لوضعية حكومته « المحجور» عليها والموقوفة عن الحكم، والخاضعة لشتى صفوف التحكم، وبالتالي،هل المقصود بما هو حاصل تحميل رئاسة الحكومة بالذات أوزار المآسي الحاصلة بكل أسبابها وإعاقاتها، والخاضعة بنتائج أوضاعها السلبية لمساءلات مقلقة وموجعة، (يعنينا منها، الموقف الشعبي المحتقن والمأزوم) ولنا في فلتان الدولار صعودا وفي استمرار انهيار العملة الوطنية، طلائع إنذارات موجعة لا بد أن تلقى معالجة شاملة وسريعة قبل فوات الأوان.