Site icon IMLebanon

الحكومة… ألعوبة!

 

مخطئ من يظن أن الصراع السياسي المتفجر القائم راهناً في البلاد هو بين إصلاحيين وفاسدين، فلا الذين يدّعون محاربة الفساد ويحملون لواء الإصلاح يمكن تصنيفهم أنهم من المنزّهين عنه، ولا الذين توجّه اليهم التهم بالفساد يتحملون مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية دون سواهم.

 

صحيحٌ أن مختلف مكونات الطبقة السياسية تتحمل المسؤولية بشكل أو بآخر، ولكن الصحيح أيضاً أن ثمة قوى مارست التعطيل المنهجي المنظم لمختلف المؤسسات الدستورية تحقيقاً لمصالحها الفئوية الخاصة، كما أنها تولت قطاعات حيوية فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة مرافقها بما يوقف الهدر ويرفع نسبة الإنتاج، والمثال الساطع في هذا المجال هو قطاع الكهرباء التي لا تزال غير متوفرة لدى اللبنانيين.

 

لقد تولى “التيار الوطني الحر” وزارة الطاقة والمياه منذ ما يزيد عن إثنتي عشرة سنة، تكبدت خلالها الخزينة اللبنانية ما لا يقل عن 30 مليار دولار من الخسائر في قطاع الكهرباء، والسبب الرئيسي لذلك هو الهدر والفساد والمحسوبيات والصفقات والبواخر والامتناع عن تطبيق القوانين، لا سيما لناحية عدم تشكيل الهيئة الناظمة، وعدم تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان، فضلاً عن الرفض المثير للريبة بتحويل الصفقات إلى إدارة المناقصات خوفاً من الشفافية.

 

ما يجري في لبنان بعد تشكيل حكومة اللون الواحد هو بمثابة إطباق كامل على مفاصل الدولة، وإلا لماذا لا تتحرك الحكومة في مجالات معينة: ضبط المعابر الحدودية غير الشرعية، ضبط المرفأ والمطار والموانئ الأخرى، وقف التهريب الجمركي، التلاعب بالتشكيلات القضائية رفضاً لإستقلالية السلطة القضائية، إسقاط وحدة المعايير عن التعيينات الإدارية وغير الإدارية، وتطبيق المحاصصة الطائفية والمذهبية الانتقائية والانتقامية رهناً بمصالح أطراف محددة، فضلاً عن “تهريب” سلة من التعيينات في ذروة أزمة “كورونا”، وسوى ذلك من الأمثلة.

 

الأكيد أن الحكومة رهينة، ولكن الخطير أنها قد تكون رهينة بإرادتها! فأن “تختطف” بعض الأطراف الحكومة بما لها من ثقل أساسي في المعادلة السياسية والدستورية في السلطة التنفيذية (بعد اختطاف الرئاسة الأولى) هو شيء، وأن تقبل الحكومة على نفسها أن تكون ألعوبة بيد أطراف معينة تحركها وفق أهدافها ومصالحها ورؤيتها وأهدافها وتسلطها، فهو شيء آخر تماماً.

 

نعم، الحكومة اليوم ألعوبة بيد طرف سياسي يتحكم بالرئاسة والقضاء والأمن وسوى ذلك من المرافق الأساسية في البلاد، من دون أن يكون هناك ما يردعه! فلا التجربة السياسية الأخلاقية تردعه، ولا غياب الحرص على البلاد بتعدداتها وتنوعها وطبيعة تكوينها الخاصة تعني له شيئاً!

 

الهم الأساسي والهدف الأوحد هو السلطة والجوع المزمن لها، ما أدى عملياً لدفع ذاك الطرف للتخلي عن كل أدبياته ونضالاته في سبيل الوصول إليها، وها هو يواصل سياسة تغيير وجه لبنان تحضيراً لمرحلة جديدة يستكمل فيها إطباقه على السلطة من دون أي اعتبار للحيثية الوطنية اللبنانية وصيغتها الخاصة.

 

لا، المعركة ليست بين إصلاحيين وفاسدين! المعركة بين الانقلابيين والأحرار! الإنقلابيون يريدون استتباع البلاد لمصالحهم الداخلية الضيقة، ومن يدعمهم يريد استلحاقها بمصالحه الإقليمية، بينما الأحرار هم الذين يريدون الحفاظ على وجه لبنان الديموقراطي التعددي المتنوع، مهما كان الثمن! لقد دُفعت أكلاف باهظة في الماضي للحفاظ على هذا الخيار السياسي، وقد تُدفع أكلاف باهظة مجدداً في سبيل ذلك… ولكنها تبقى أرخص من إسقاط الهوية اللبنانية… والعربية!