على عتبة المئة يوم من عمر حكومته انتقل رئيس الحكومة حسان دياب من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم. بعد مضبطة اتهامه لحاكم مصرف لبنان بحجب الارقام، خرج بالامس من مجلس الوزراء متوعداً تسمية الاشياء بأسمائها وفضح “الجهات التي تحرّض على الشغب وسيتم تحويلها إلى القضاء”. توحي مواقفه انه لم يعد في مرحلة ارتخاء وانه تلقى جرعة دعم عربية ودولية يسعى الى الاستفادة منها بشتى السبل متكلاً على خطة حكومته الاقتصادية.
ثلاثة مؤشرات برزت خلال الساعات الماضية تجاه الحكومة، واذا كان لكل منها حساباتها المختلفة: تمثل المؤشر الاول في اتصال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان برئيس الحكومة وإعرابه عن تأييد فرنسا لبرنامج الحكومة الإصلاحي، واستعدادها لمساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي. ونقل عن لودريان تشديده على نيّة بلاده عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان فور انتهاء إجراءات الحظر المتعلقّة بوباء كورونا. كما سجل اتصال وزير المالية والاقتصاد الفرنسي Bruno Le Maire بنظيره اللبناني غازي وزني وتشديده على تنفيذ الخطوات الاصلاحية المطلوبة. تخشى فرنسا من ان يكون لبنان ضحية تجاذب بين المحورين الاميركي والايراني، وهي لا تزال تعتبر نفسها معنية عن قرب بهذا البلد، وتنتظر الخطة الاقتصادية وعمل الاصلاحات اللازمة لتسويقها في دول اوروبا وتستعيد تدريجياً دورها في لبنان. ورغم وجود لوبي لبناني محرض على الحكومة داخل فرنسا الا ان لهذه الحكومة جهات فرنسية متحمسة لعملها منذ تشكيلها الذي أحيط سفيرها في لبنان بأدق تفاصيله.
وتمثل المؤشر الثاني بزيارة السفيرة الاميركية الى السراي ولقائها رئيس الحكومة. بالنسبة الى الاميركيين ثمة عاملان لهما محاذيرهما ويجب الحفاظ عليهما: مؤسسة الجيش اللبناني والمواجهات المباشرة التي خاضها مؤخراً مع المتظاهرين ما اثار قلقهم وهم يرون في المؤسسة العسكرية بديلاً مستقبلياً عن كل الجهات الأمنية غير الشرعية.
اما المؤسسة الثانية فهي المصارف التي تعاملت معها من خلال وزارة الخزانة الاميركية وتعول على دورها في إنماء لبنان ومساعدته في تجفيف منابع الارهاب وهذه ايضاً بات مصيرها مهدداً ما يستوجب التحرك للوقوف على حقيقة ما يجري. رسالتان حرص الجانب الأميركي على ايصالهما: دور الجيش والحفاظ على المصارف، وتجديد الدعم المشروط بالاصلاح. عملياً أعطى الاميركيون فرصة غير معلنة للحكومة ووضعوها تحت اختبار مستمر وفي الوقت نفسه لا يتخلون عن نبض الشارع ودعمه حيث تقتضي المصلحة.
اما المؤشر الثالث فهو إعلان الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي أنّ “الحكومة اللبنانية مدعوة بطبيعة الحال إلى الإسراع في اتخاذ خطوات عملية وسريعة للإصلاح الاقتصادي. ولدينا مؤشرات على قرب حدوث ذلك”. أرسلت الجامعة انها على استعداد، حين تفرج الحكومة عن خطتها، لطرق ابواب الصناديق العربية طلباً للمساعدة وقد وعد دياب ارسال الخطة فور الانتهاء من وضع بنودها.
بعد أشهر غياب وجمود عادت الحركة الديبلوماسية تنشط مجدداً على الساحة المحلية. فمن اللقلوق واستقبالات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الديبلوماسية الى السراي الحكومي ووزارتي المالية والعدل حركة لافتة عنوانها استفسار دول القرار الاميركية والاوروبية عن خطة الحكومة والوقوف على حقيقة الكباش بين الدولة والمصارف والحراك الشعبي الاخير. لمس معنيون بهذه اللقاءات وجود استعداد من قبل الأميركيين ودول اوروبية للتعامل إيجاباً مع الحكومة لتنفيذ خطتها المالية والاقتصادية. والخطة التي ناقشها مجلس الوزراء أمس ويفترض ان تقر في جلسة اليوم لاقت ارتياحاً دولياً لما تضمنته من خطوات إصلاحية.
ومن ضمن هذه الخطوات وقف الإنفاق غير المجدي واعداد جدول بهذا الخصوص، التأكيد على حماية ودائع اللبنانيين وعدم تحميل المودعين التي تقل ودائعهم عن 500 الف دولار الا نسبة رمزية من الخسائر، إقرار ضريبة على الكماليات وغيرها الكثير من البنود التي تقع في 47 ورقة. ينقل وسطاء بين الحكومة والجهات الدولية ان الدول الاوروبية ابدت استعداداً فعلياً للمساعدة ومن خلال إعادة جمع الدول التي كانت معنية بسيدر لمناقشة بنود هذه الخطة رسمياً. يلمس أحد الذين التقوا مجموعة من الديبلوماسيين في الآونة الاخيرة ان مجمل التعاطي مع الحكومة هو ايجابي حتى على المستوى العربي، حيث تفيد المعلومات ان الكويت ومن خلال حكومتها تتعاطى مع الحكومة اللبنانية وهناك بوادر تعاون لدعم لبنان في ضوء الخطة الاقتصادية. من خلال هذه الخطوات الاولية يمكن الاستنتاج ان الحكومة في طور تكوين بيئة دولية حاضنة وشبكة إقتصادية مالية داعمة للبنان، وقد حققت خرقاً نوعياً لا سيما على مستوى الموقف الاميركي الذي لوحظ تعديله بحيث لم يعد تحريضياً بل هو موقف متوازن نوعاً ما، اما التواصل الفرنسي مع لبنان فهو قائم وعلى مستويات عالية.
فهل يمكن اعتبار هذه المؤشرات مجتمعة دليلاً على تحول في المناخ الدولي تجاه الحكومة ام أنه تمييز بين الحكومة والشعب اللبناني وان دعم الحكومة سيكون على قدر تلبيتها لطموحات اللبنانيين؟، مثل هذا الاعتبار عادة ما يكون حمال اوجه. ثمة من يفضل عدم الذهاب بعيداً في تفسير السلوك الغربي والعربي تجاه الحكومة أو اعتباره تحولاً يعول عليه. واذا كانت السفيرة الاميركية لا تزال في طور استطلاع الاجواء، فبحسبهم فان مقاطعة السعودية والامارات ومجلس التعاون الخليجي لاجتماع بعبدا الاخير مؤشر سلبي تجاه لبنان.
وما بين المتفائل بحركة الدول الغربية والمتشائم، تتجه انظار الدول نحو خطة الحكومة الاقتصادية التي يمكن ان تكون انقاذية تفتح معها ابواب الخارج على المساعدات وتنال ثقة صندوق النقد، او صدامية فتفتح الأبواب على فصل آخر من المواجهات.