تتّجه أنظار الخبراء الدوليين إلى مرحلة ما بعد «كورونا»، والتغيّرات الاستراتيجية التي تستعد القوى العُظمى لها، حيث سيُعاد ترتيب أولويات الدول ومصالحها وتحالفاتها وأجنداتها.
كذلك تتجّه الأنظار إلى ما ستُسفر عنه نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، لتحديد اتجاهات السياسة الأميركية للمرحلة المقبلة.
العالم لن يبقى على ما كان عليه قبل تفشّي «كورونا» وتداعياته الخطيرة صحياً واقتصادياً، وعدم الجهوزية لمخاطر جرثومية قد تظهر في أي لحظة من أي مكان، سواء من دولة أو مجموعة إرهابية.
العالم سيتغيّر، ومنطقة الشرق الاوسط لن تكون بمنأى عن هذه التغيّرات، وقد بدأت بعض ملامحها تتسرّب من الحسابات الروسية الجديدة في سوريا على سبيل المثال. فبعد معاناتها من تحمّل أعباء «كورونا» وانهيار أسعار النفط، اتخذت موسكو خطوة غير مألوفة في أدبياتها السياسية، فبعثت برسائل ضغط علانية إلى دمشق، لتقديم تنازلات سياسية والتوافق على دستور جديد ومشاركة السلطة باتفاق سياسي وطي صفحة الحرب.
كذلك انتقلت إسرائيل من مرحلة «منع التمدّد الإيراني في سوريا»، الى مرحلة «إخراج إيران من سوريا»، عبر زيادة هجماتها العسكرية ضدّ مواقع وأهداف إيرانية في سوريا.
أما في لبنان، فإنّ النظام السياسي تصدّع، ويكاد ينهار، بعد انهيار الإستقرار السياسي، وانهيار الإستقرار الإقتصادي والمالي، وتصدّع الاستقرار الإجتماعي، فيما المنظومة السياسية، في غالبيتها، تكاد تكون غافلة عن التغيّرات الكبرى وتداعياتها على بلد صغير، تتقاذفه أزمات خطيرة متشابكة ومعقّدة، وتواصل الغرق في تبادل الإتهامات والتنازع على منصب هنا وموظف هناك.
وبانتظار جلاء «كورونا» وتبيان نتيجة الإنتخابات الرئاسية الاميركية في الخريف المقبل، تحاول بعض القوى السياسية شراء الوقت، من خلال التبريد السياسي، لعدم توافر أي ظروف سانحة لتبديل الواقع الداخلي الحالي، وتدخل في هذا الإطار زيارة الوزير وليد جنبلاط الى قصر بعبدا، والخطاب الهادئ للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، والمواقف المدروسة للدكتور سمير جعجع.
أما الحكومة الغارقة في تفاصيل الفولكلور السياسي المحلي، فتخطو نحو صندوق النقد الدولي بخطة أولية، طالبة مساعدته مالياً وفنياً، وهي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل المليئة بالحواجز والأشواك.
غير انّ مساعدات الصندوق لن تصل قبل ستة أشهر على الأقل، هذا إذا لم تجهض السلطة ومن خلفها، الإتفاق مع الصندوق، بنكث وعودها بتنفيذ الإصلاح، كما فعلت مراراً وتكراراً، حين أهدرت فرصة الحصول على جرعة من الاوكسجين من مجموعة الدول المانحة.
من الآن، وحتى وصول المساعدات، يُخشى أن يزداد عدد العاطلين من العمل، وإقفال الشركات والمؤسسات، وازدياد الفقر والعوز واليأس والنقمة والغضب الشعبي، وبالتالي تفجُّر ثورة جياع.
فما هي خطة الحكومة في هذا الوقت الضائع لا بل الوقت القاتل؟