Site icon IMLebanon

الحكومة برسم المشهد الإقليمي

 

أطلق انسحاب المرشح سمير الخطيب من البازار الحكومي رصاصة الرحمة على عُرفٍ جديد أُسقِط  على الحياة السياسية اللبنانية منذ ألقت التسوية الرئاسية  بأثقالها. العُرف المُستجد هو «استلاب صلاحيات وأدوار المؤسسات الدستورية» الذي ابتدأ بتركيب الوزارات وفقاً لمعادلات حسابية، وإنتاج تكتلات نيابية غبّ الطلب لتوزيرها، ليبلغ ذروة التطور مع تحوّله إلى مشروع إنتاج رؤساء الحكومات في ميرنا الشالوحي أو في وزارة الخارجية. وبصرف النظر عن تداخل السياسي بالطائفي، والإختلاف حول دور دار الإفتاء في استحقاق يعود إنجازه لرئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي، فإنّ هذا التّدخل  نجح في وقف الإنزلاق المتمادي في استلاب أدوار المؤسسات من قبل الوزير جبران باسيل بوكالته عن فخامة رئيس الجمهورية، التي يبدو أنّها وكالة عامة وغير قابلة للعزل.

 

يبدو فريق رئيس الجمهورية في سباق مع الوقت لإنجاز مهمة تثبيت مجموعة من الأعراف تُعيد لبنان الى الجمهورية الأولى ليس على المستوى الدستوري فقط، بل على مستوى الحوكمة التي عبّرت عنها سلسلة من الممارسات الحكومية المعروفة كان آخرها مهزلة استيراد البنزين من قِبل وزارة الطاقة بشروط ملتبسة ودون المرور بدائرة المناقصات، أو على المستوى القضائي من خلال الإشتباك الدائم بين قضاة العهد ومدّعي عام التمييز، أو مع الوزير سليم جريصاتي على خلفيّة العفو الخاص الذي أصدره رئيس الجمهورية عن مدانة بترويج المخدرات بالرغم من رفض لجنة العفو الخاص لذلك، أو على مستوى السياسة الخارجية ومشاركات الوزير جبران باسيل بالمؤتمرات الدولية وتقديم وجهات نظره الشخصية التي تعبّر عن حزبية ضيّقة وطائفية مأزومة والتي كان آخرها في مؤتمر «يوروميد» في روما.

 

إنّ استمرار هذا الجموح وهذا الجنوح في ممارسة السلطة، بصرف النظر عن حدّة المخاطر ودون الأخذ بعين الإعتبار النتائج الكارثية المترتبة عليه، واستمرار حزب الله في إسكات أي صوت معارض له وفي حماية معادلة الإستقواء مقابل الإعتراف، والذي كان آخره المواجهة الكلاميّة من قِبل النائب محمد رعد مع راعي أبرشية بيروت لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، يدلّ إن الأولوية في الداخل ليست لتشكيل الحكومة بل لتثبيت قواعد حكم جديدة ومنها تشكيل حكومة وفقاً لمقتضيات القوة القاهرة المحققة.

 

أولويات الداخل التي يحاول فريق الحكم تثبيتها تلاقي أولويات الإقليم التي تستقطب المزيد من الإهتمام الدولي والتي تترقبها طهران بحذر. سقوط الحكومة العراقية وتسليط واشنطن الضوء على الإعتداءات على المتظاهرين في ساحة التحرير التي أوقعت مئات الشهداء، واتّهام قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وشقيقه ليث بذلك، وعزل قائد عمليات بغداد واتّهام القادة العسكريين بتلقي أوامرهم من طهران، ووقوف المرجعيات الدينية العراقية الى جانب الثوار، أضحى ينذر بانفلات الأمور وخروج بغداد من عباءة المرشد وتحوّل العراق من ساحة مسيطر عليها الى ساحة نزاع. التبدّل المحوري في الموقف الأوروبي من تمادي إيران في تطوير قدراتها النووية والإستمرار في تطوير الصواريخ البالستية أسقط أوروبا كشريك لطهران يمكن استخدامه في تخفيف الإجراءات الأميركية. تحدّد مسارات هذه الأولويات الإقليمية نقاط القوة والضعف الإيرانية وتحدّد بالتالي وجهات استخدام إيران للساحات العربية في كلّ من لبنان والعراق.

 

إنّ فشل تأمين التغطية الطائفية، لأي مرشح  غبّ الطلب لرئاسة الحكومة تنتجه كواليس قصر بعبدا، كبديل عن التغطية السياسية، يعني بما لا يقبل الشك أنّ تأجيل الإستشارات النيابية لمدة أسبوع  لن يكون كافياً لبلورة نقاط التقاء بين رؤية بعبدا وحلفائها لتشكيل الحكومة ورؤية الثورة التي يمثّلها المواطنون في الساحات على امتداد الوطن والتي يبدو أنّ أكثر من مكوّن سياسي قد أصبح يشاركها موقفها وإن اختلفت طريقة المقاربة والتعبير عن هذا الموقف. هذا ما يمكن قراءته من موقف الحزب التقدمي الإشتراكي الذي رفض المشاركة في الإستشارات أو كتلة القوات اللبنانية التي رفضت التسمية بالمطلق أو موقف حزب الكتائب الذي ذهب الى تسمية السفير نواف سلام من خارج المنظومة المتداولة. كل ذلك يبشّر بنجاح الثورة بجذب جزء كبير من البيئة السياسية التقليدية التي تشعر أنها ليست خارج المشاركة الحقيقية فقط بل تتحمل فيه تبعات المشاركة في سلطة تفقدها جمهورها وبتوسع دائرة المعارضة في مواجهة سلطة تتجه نحو المزيد من الإنعزال، الأمر الذي يخفّف من الأسباب الإقتصادية أو السياسية الموجبة لتشكيل حكومة جديدة وربما يدفع الى الإستمرار بتصريف الأعمال ريثما يكتمل المشهد الإقليمي مع المشهد اللبناني.