في ضوء الكارثة الكبرى التي تصيب بلدنا، ليس مقبولاً أن يكون الحلّ «فشّة خلق» ببعض الضحايا الصغار، يذهبون فداء لمجموعة فاسدين هم من يحاكمونهم بتهمة الفساد.
كالعادة، منظومة الفساد ستتّهم «كم كبش محرقة» تمون عليهم،… تعتقلهم بصوتٍ عالٍ وتحاكمهم بضجّة كبيرة، وتسجنهم «على المكشوف» لتعود وتُطلق سراحهم «عالسكت»… وذلك بعد ان يكون الناس «فشّوا خلقن… وارتاحوا… ونسيوا».
الكارثة التي وصلنا اليها لا تنتهي بهذه الطريقة. ولم يعد مسموحاً لنا ان نكبّر القصة ونصغّرها حسب اهداف المرحلة، وليس لنا في اي وقت أن نكون قادرين على حماية حدودنا من كل انواع الخطر، بحيث لا يخترقها عدو صهيوني ولا يعبر امامها إرهابي من عصابة «داعش». وليس لنا ان نتصرّف وقتما نشاء على اساس أنّ الحدود مستعصية، واننا غير قادرين على إقفالها في وجه بعض عصابات التهريب .
وبالإضافة الى كلّ مشكلاتنا الإقتصاديّة وغلاء الأسعار وشحّ الدولار، التي يتعرّض لها شعبنا في لبنان، يبقى هناك أناس يحظون بتغطية ويأخذون راحتهم في التهريب.
لدينا 136 معبراً غير شرعي على الحدود مع سوريا، تُهرّب من خلالها يوميًّا أطنان من الطحين والمازوت المدعوم على حساب المال العامّ، أي مال الشعب اللبناني.
نتيجة هذا التهريب نخسر يوميًّا نصف مليون دولار من المازوت فقط، ونخسر من مجمل التهريب 600 مليون دولار سنويًّا.
وقيمة البضائع المهرّبة خلال السنوات الخمس الاخيرة، تخطّت الـ20 مليار دولار. وهذه الخسائر المخيفة التي تتكبّدها الخزينة اللبنانيّة، ألا تستأهل ان نحميها بتجهيزات عصريّة وتكاليف مراقبة متطوّرة ورادعة… يؤمّنها جيشنا الوطني، إذا صفيت النيّات؟
النياّت الصافية تُملي على كلّ مسؤول وكل مواطن أن يتابع هذه المشكلات حتى النهاية، والى حدّ محاسبة كل مرتكب.
على هذا الأساس، إنني في صدد تقديم إقتراح قانون الى المجلس النيابي خلال اليومين المقبلين، يقضي بإنشاء لجنة تحقيق برلمانيّة في موضوع تهريب الطحين والمازوت المدعومين من الدولة إلى الأراضي السورية.
والحلّ النهائي لهذه الجريمة، لا يتطلّب فقط تعاوناً بين الحكومة والجيش وسائر القوى الأمنيّة لضبط الحدود ومنع التهريب… وانما يلزمه ايضاً تسمية ومحاسبة الرؤوس الكبيرة التي تستغلّ خيرات البلد وتزيد من عذاب الناس.
عندنا رئيس حكومة ووزير داخليّة وقائد جيش، مؤهّلون للقضاء على منظومة الفساد التي اوصلتنا الى ما نحن عليه الآن. فإذا وضِعَت عقبات امامهم، فليصارحونا وليقولوا لنا ما الذي يحصل الآن، لكي لا ننتهي مرة أخرى الى سماع معزوفة: «ما خلّونا»…