IMLebanon

الهنودُ الحُمْر وخَطْفُ القمر …

 

كأنّهم رجال الفضاء الخارجي، يعيشون فـوق… على القمر…

 

وأنتَ، تصرُخُ على الأرض تحت، ترقُصُ مذبوحاً من الألم… تجوع تحتضر، تموت تنتحر، فالأُفـقُ مقفلٌ إلى فـوق، والصوتُ مخنوقٌ والصدى.

 

حتى إذا سكنوا القمر يعرّضونهُ للخسوف، يطبّلون لـهُ كالهنود الحمر، الذين يسلخون الرؤوس ويصنعون منها جلوداً لطبولِهمْ.

 

ومِـنْ فـوق… تتراءى لك الفواجع الأرضية، وتتلاحق مشاهدُ المنصَّـةِ المذهَّبةِ يتحلّق حولها القيصر والحاشية، فيبدو لك لبنان كأنّـهُ أمُّ «نيـرون»، تتلقّى الطعنةَ في البطن وتقول للجلاّد الذي جاء يقتلها تنفيذاً لإرادة إبـنها: إضربْ في البطْـنِ الذي حمل ذلك الوحش.

 

وكما في الفضاء، كذلك على الأرض، حكومةٌ، أيضاً تقرع الطبول وتنفُخُ في الأبواق، فيُخَيَّـلُ إليك أنَّ هناك إطلالةَ بطَـل… رئيسها يمتشق السيف ويقول بلسان الملك لويس الرابع عشر «الدولة أنا»… «الدولة ستضرب بحـزْم فلْيسمَعوني بوضوح…»

 

نعم، سمعناه جيداً بوضوحٍ، ورأينا جيداً بوضوح، أنّ فوق دولة الرئيس ملوكاً ودولاً وسيوفاً هي التي تضرب بحـزْم، وأنّ لكل وزير فيها مرجعيةً هي التي تقبل وترفض، هي التي تقـرّر المحاصصات والتعيينات والتشكيلات، وتبدّل القرارات وتحدّد مواعيد الجلسات، فإذا البطولة الحكومية شبيهةٌ بحكاية الرجل الأسطوري «جـحا» الذي كان يهدّد الرؤوس بحـدِّ سيفه، وكلما تعرَّض للصفْع، كان يأخُـذ عصاه وينْهالُ على خالتِـه بالضرب.

 

وإنْ شئتَ أن تكذِّبَ الحكومة، فما عليك إلاّ أن تصدِّق الرئيس…

 

قالها الرئيس ميشال عون غيـرَ مـرّة وكرَّرها في الأمس القريب جازماً: «سأسلّم لبنان في نهاية العهد أفضلَ مما استلمتُه…»

 

ولأنّ عند الرؤساء الكبار من الأسرار ما يجهلُه العامة من الناس، فإنْ صحَّـتْ نبوءة الرئيس، فما على العامة من الناس إلاّ أنْ يرفعوا له التماثيل والأنصاب، على أبواب: الفنادق والمستشفيات، والمدارس والجامعات، والمصارف والصيدليات، والمحاكم والمطاعم والأفران، وعلى رؤوس أعمدة التوتّـر العالي وأسلاك الكهرباء.

 

ونخشى أنْ تكون هذه البشائر من تكهُّناتِ المستشارين الذين يحملون مباخرَ الأنبياء الكذَبة: فإمَّـا أنهم جُـهَلاء، وإمّـا أنّهم خُـبَثاء، وإمْا أنهم أجهزة لاقِـطَةٌ تتلقّى وتبثّ، وتلتقط وتدسّ، فيصبح على الرئيس إذْ ذاك أن يُـنقذَ عهده بعقوبة الفاشل، كمِثْل ما فعل «هتلـر» عندما ارتابَ بإِخلاص الماريشال الإلماني «رومل» المعروف بثعلب الصحراء، فأمَـرهُ بالإنتحار.

ومن البليَّـةِ، أنْ يكون مصيرُ العهود والأمم مرتبطاً بخبْـثِ الثعالب المندسّة في بلاطات القصور.

 

عندما ننـظر إلى هَـوْلِ ما وصل إليه لبنان، نتهيَّب إمكانَ الرجوعِ إلى بعضِ بعضِ ما كان عليه، إلاّ إذا تجلَّتْ أعجوبةٌ سماويةٌ على عهد الرئيس عوناً مِـنَ الله وملائكةِ الله وأحزابِ الله، وكلِّ ما هو ظـلٌّ لِلّه على الأرض.

 

العودة إلى ما كان عليه لبنان تحتاج إلى «دهْـر» لا إلى رئيسٍ وقصر.

هكذا قال الشاعر الياس أبو شبكة ذات يومٍ في الوطن المنكوب:

أرجعْ لنا ما كانْ يا «دهـرُ» في لبنانْ.

 

وهذا يعني: أنّ لبنان المستقبل هو الذي كان في الماضي: وأنْ ليس هناك حـلٌّ مع الذين جعلوا القمر ملجأً لـهُمْ، إلاّ بمثْـلِ ما طبَّـع كريستوف كولومبس الهنود الحمر عندما اكتشف أميركا، فهدّدهم بخَطْـف القمر.

ولكنّ المعجزة في الأمر، أنْ ليس عندنا كولومبس.