منذ الأمس دخل لبنان جدّياً نفق أزمة تشكيل حكومة، أو بشكل أدقّ أزمة تسمية وتكليف رئيس حكومة، ومن هنا حتى يوم الخميس المقبل الموعد الجديد المضروب للاستشارات النيابيّة ـ ونظن أنّه من الصعب أن يكون هناك استشارات نيابيّة ـ وسينصرف المعنيّين إلى عطلتيْ الميلاد ورأس السنة تاركين البلاد تغرق على مهلها، والثورة «تاكل قتل وتفرّق» في السّاحات، خصوصاً وأنّ المعنيّين بتوفير الأمن للمتظاهرين يتركونهم فريسة «هجمة البرابرة» من الخندق الغميق لضربهم وحرق خيمهم، والخوف هو من الوصول إلى لحظة تُراق فيها الدّماء فتدخل البلاد مرحلة ومستوىً جديداً من الاضطراب الأمني، لكلّ حرب «أوّل قتيل» سبق وخبرنا هذا الأمر منذ اندلعت كلّ الأحداث التي شكّلت مقدّمة لاندلاع الحرب الأهليّة عام 1975، وكثيرون يشعرون أنّهم عشيّة نفس المشهد بعناوين مختلفة، حمى الله لبنان وشعبه.
في 19 تشرين الثاني الماضي كتبنا في هذاالهامش «لن يكون من السّهل أبداً تشكيل حكومة، هذا إن لم يمضِ النصف الثاني من ولاية رئيس الجمهوريّة بحكومة تصريف أعمال في انتظار لحظة الانهيار، ليست المرّة الأولى التي يعيش لبنان فيها أزمة حكومات»، ربما شكّل تأجيل الاستشارات النيابيّة صدمة حقيقيّة لحالة التّذاكي السياسي التي عايشها اللبنانيّون على مدى شهرين منذ اندلاع الثّورة، لم تفهم الطبقة السياسيّة الرّسالة، أخرجتهم الثورة مع استقالة الحكومة من الباب، فإذا بهم يريدون العودة من الشبّاك، ولكن فات الأوان!
لبنان أمام أزمة إيجاد حكومة تتمكّن من الإمساك بزمام الأمور،وهذا سيكون صعباً جدّاً، لأنّ السياسيّين منشغلين في محاربة بعضهم بعضاً، و»التّمريك» على بعضهم بعضاً، غير آبهين بأهميّة الوقت بالنسبة للبلد وأزماته، والصورة تظهّرت بمنتهى الوضوح ، لن يكون الوصول سهلاً إلى هكذا حكومة لا تكنوقراط ولا تكنوسياسيّة ولا حكومة أخصائيّين، أي حكومة من هذه الحكومات ستفشل في إدارة البلاد، هناك في الظلّ من يريد أن يظلّ ممسكاً بزمام الصلاحيات حتى لو كان لبنان ذاهب نحو الهاوية وبأسرع مما يتصوّر الكثيرون!
ربما يقتضي الصّدق والمصداقيّة في هذه اللحظة المفصليّة من تاريخ لبنان وهو في لحظة تهاويه وانهياره الكبير أن نتوقّف لنقول الّذين أشاروا على الرئيس سعد الحريري بالذّهاب إلى حدّ تسمية مفتي الجمهورية ـ وهي سابقة دستوريّة ـ لرئيس حكومة تريده الطائفة السُنيّة لم يكن مخلصاً في مشورته، أو لم ليس مطّلعاً على الدّستور اللبناني وأنّ الّذين يسمّون رئيس الحكومة هم النوّاب اللبنانيّين وتسميتهم مُلزمة لرئيس الجمهورية ، فهل هناك تقييد ووضوح أكثر من هذا النصّ؟ من المؤسف أنّ من أشار عليه بهذا الأمر لم يسمح له قصوره في الرؤية إلا بمناورة على طريقة «متل ما بيسمّي الشيعة الرئيس نبيه برّي للمجلس النيابي، وكما سمّى المسيحيّون الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، مفتي الجمهوريّة سيسمّي الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة» فأوقع الرئيس الحريري في فخّ مشهد الأمس!!
بعد شهريْن من المناورات أكد الواقع أنّنا أمام سياسيّين «بلا إحساس» يصرون على إغراق الشعب اللبناني في مستنقع اليأس والإحباط،ما حدث طوال شهريْن هو أكبر عملية احتيال على الدستور والشعب ولبنان، في لحظة لا يلوح فيها في الأفق إلا شبح الانهيار، لقد أصبحنا في قلبه ونهوي باتجاه القعر بأقصى سرعة!
ميرڤت السيوفي