لم تحجب خطورة وباء «كورونا» في المشهد الداخلي، الإحتقان السياسي المتصاعد بين القوى السياسية المحلية، والذي امتدّ من محور المعارضة إلى محور الموالاة، بحيث تحدّثت أوساط وزارية سابقة، عن شرخ سُجّل داخل الصف الحكومي، ويحمل مؤشراً يطرح الكثير من التساؤلات حول مدة متانة هذا الصف في ضوء المواقف الحادة لرئيس الحكومة حسان دياب في الدرجة الأولى، والتي انسحبت على الوزراء، كما تلاحظ هذه الأوساط في نموذج السجال الذي حصل بين وزيري الصحة الدكتور حمد حسن، والداخلية محمد فهمي حول الإجراءات الحكومية المتصلة بمكافحة الوباء.
وبرأي الأوساط الوزارية السابقة نفسها، فإن هذا التوتر على أكثر من جبهة حكومية يتزامن مع التصويب المباشر على الحكومة وبعض وزرائها من القوى المكوّنة لها، وهي ليست مرتبطة بخلاف أو تباين في الرأي حول إجراءات الوقاية من وباء «كورونا» أو المعارضة لمشروع سد بسري أو القراءات المتناقضة للمبادرة الفرنسية الأخيرة تجاه لبنان، والتي لم يكشف النقاب عن كامل تفاصيلها السياسية أو غياب الإتفاق الحكومي الداخلي على الأرقام الموحّدة للخسائر المالية، كما غياب الإصلاحات الضرورية التي يطلبها الوزراء أنفسهم قبل المواطنين ومجموعة الدول المانحة، وعبّر عنها صراحة ومباشرة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف دريان، أمام زواره في بيروت منذ أسبوع.
ولذا، تقول هذه الأوساط ذاتها، أنه لم يعد من مفرّ أمام الحكومة الحالية سوى الإقرار بعجزها عن النهوض بكل هذه الملفات التي تزدحم بها الأجندة الداخلية، خصوصاً وأنه لم يتم إضافة الهواجس الأمنية إليها، وذلك مع تصاعد الحديث عن عودة شبح الإرهاب إلى الساحة اللبنانية. وبالتالي، فإن الأوساط نفسها تتوقع عودة طرح التغيير الحكومي إلى الواجهة من جديد، بعدما توصلت الأطراف كافة إلى قناعة بصعوبة استمرار الحكومة الحالية في دورها كحكومة مختلفة عن سابقاتها، إذ على الرغم من أن وزراءها يحملون صفة التكنوقراط، فهم لم ينجحوا بتطبيق مقارباتهم العلمية، وفي إدخال الإصلاح المنطقي الذي وعدوا به حيّز التنفيذ، وذلك لأسباب عدة أهمها المعادلة السياسية العامة القائمة، والتي تحول دون حصول التغيير الحقيقي، مع العلم أن الوزير الفرنسي لودريان قد تحدث مع أحد الوزراء في الحكومة، مؤكدا ً أن أي مساعدة فرنسية بمعزل عن الدول الغربية الأخرى، تبقى مرهونة بعمل إصلاحي جدي ونوعي وليس نظري، مما يعني، ومن الناحية العملية، سقوط معادلة كرّستها الحكومات السابقة مع فرنسا، وهي الحصول على أموال من دون إصلاحات، على الرغم من أن الإصلاحات المطلوبة سهلة التنفيذ ولا تحتاج إلى جهود جبارة، لا بل أن تنفيذها يشكل الخطوة الأولى في مسيرة الخروج من المأزق المالي.
والخلاصة التي تؤكدها الأوساط الوزارية السابقة نفسها، تركز على أن هشاشة الوضع الحكومي باتت جلية تزامناً مع عجزها وعدم قدرتها على السير في كل المسارات، ولا سيما المسار الصحي بعد التفشي الوبائي المقلق، وكذلك بدأت تتظهّر بوضوح الإنتقادات والحملات من قبل أطراف داخليين من ضمن فريق العمل الحكومي، كما من مرجعيات داعمة للحكومة، والتي أصبحت مقتنعة بأنها عاجزة عن اقتناص أي فرصة متاحة أمامها للإنقاذ وتفقد يوماً بعد يوم صدقيتها، فيما يتواصل الإنكشاف داخل صفوفها بعدما وجّه رئيسها أسئلة وانتقادات كان من المفترض أن يوجهها إلى نفسه قبل الآخرين.