Site icon IMLebanon

عرّابو الحكومة: باقية إلى إشعار آخر

 

 

قد لا تكون استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي من حكومة الرئيس حسان دياب، ولا استقالة سواه، كافيتيْن لإطاحتها، لأن مَن يدافع عن بقائها ولا يريدها أن تسقط وترحل يقف وراء الستارة وليس على مقاعدها. إلى إشعار آخر يحتاج إليها دونما الإيمان بها

 

المألوف في سيرة الحكومات اللبنانية المتعاقبة، عندما يستقيل وزير فيها، أن يصير – إن لم يكن رفضها فوراً – إلى الطلب منه التريث في قراره وثنيه عنه، واسترضائه عندما تتعلق الاستقالة بموقف ما. ما حدث مع وزير الخارجية ناصيف حتّي، أن قبول استقالته سبق تقدّمه بها. مذ شاع الأحد أنه سيقدّمها في الغداة قُبلت سلفاً، وتردّد باكراً اسم خلفه كأنه محسوم ومعلوم قبلاً، وكأن المطلوب هو التخلص من الوزير الحالي. كذلك فعل رئيس الحكومة حسان دياب فور استقباله. قبل أن يهبط المساء صدر مرسوم الخلف محل السلف.

 

أوحت السرعة التي رافقت تخفيف وقع استقالة حتّي، وطيّ ملفها من غير ظهور أي ردود فعل، وإظهار وجود البديل الجاهز منه السفير السابق شربل وهبي، أن حكومة دياب لا تزال ضرورة لعرّابيها الذين أعطوا دليلاً تلو آخر أنهم هم الذين يحكمون باسمها، ولا تعدو كونها قناعاً مسرحياً لهم. بذلك عبر يوم أمس الذي يفترض للمعارضين أن يكون هدية، ويتسبب بصدمة سياسية تستعجل تقويض الحكومة، كأنه يوم عادي. في ذلك إثبات إضافي على الإصرار عليها، وإن هي في أسوأ صورة لحكومة لبنانية منذ ما قبل اتفاق الطائف حتى. لا تملك أن تستقيل، ولا أن تعمل، ولا أن ترحل. حلت الاجتماعات التي عقدها قبل ثلاثة أسابيع رئيس البرلمان نبيه برّي مع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل محل تلك التي كان يعقدها باسيل مع الرئيس سعد الحريري عندما كانا يدافعان عن حكومتَي 2016 و2019، ويذللان خلافاتها أو خلافاتهما من حولها. وهو الدور نفسه الذي اضطلع به من غير ظهور ولا يزال حزب الله، إذ يبدو استمرار حكومة دياب حاجة ملحة إلى الثلاثي الذي يمثل الأكثرية الحكومية، المنبثقة من الأكثرية النيابية التي تمثلها أيضاً كتله في مجلس النواب. لذا لم يكن ثمة سبب يبعث على الاعتقاد باحتمال تسبّب استقالة حتّي بتفككها، أو في أحسن الأحوال إحداث شرخ عميق فيها. ما حدث أمس كان شأناً عادياً تقريباً كأنه لم يكن.

مع ذلك، ثمة ما يتلازم مع مرحلة ما بعد خروج حتّي من حكومة دياب:

1 – تبلّغ مجلس النواب في جلسة عامة استقالته، وحلول وزير آخر يقتضي أن يحوز ثقة البرلمان على غرار زملائه في الحكومة الحالية. ذلك أن الثقة التي يمنحها مجلس النواب للحكومة مزدوجة: لها ككل، ولكل وزير على حدة كون الحكومة كما الوزراء فرادى مسؤولين أمام السلطة الاشتراعية التي في وسعها طرح الثقة بالحكومة ككل، كما بكل وزير مستقلاً. لذا لا يسع الوزير الجديد تسلم منصبه ومباشرة ممارسة صلاحياته ما لم يحز ثقة مجلس النواب. اللهم إلا إذا أضحى هذا القيد الدستوري غير ذي جدوى، فيصير إلى إهماله والتغاضي عنه. في ما مضى في ظل اتفاق الطائف، في 11 حزيران 1993، أُبدلت حقيبة الموارد المائية والكهربائية (وزارة الطاقة حالياً) بنقلها من وزيرها جورج افرام إلى وزير الدولة الياس حبيقة، ما تسبب في جدل دستوري قال بحتمية أن يحوز الوزير الجديد ثقة جديدة من البرلمان على الحقيبة التي عُهد إليه بها، كون الثقة به مقترنة بالحقيبة المنوطة بالوزير في مرسوم تأليف الحكومة.

2 – وجّه صدور مرسوم تعيين الوزير البديل، ساعات قليلة بعد استقالة حتّي رسالة دالة إلى الوزراء الآخرين في الحكومة، مفادها أن الدعم الذي تحظى به من عرّابيها يتجاوز أي وزير يريد بدوره الدور المنوط به، سواء بالنسبة إلى الذين فكروا أو لا يزالون بالاستقالة أو الذين يرومون تخطي المنوط بهم. حتى إشعار آخر لا بديل من هذا الكل الذي هو جسم حكومة دياب، إلا أن أي عضو فيها يُستغنى عنه في أي وقت، وهو ليس حاجة لها بالضرورة إلا بمقدار امتثاله. الحاجة الماسة هي إلى الحكومة بما يعنيه توازن القوى السياسي الذي يقف وراءها، ولا يتمثل فيها مباشرة، لكنه صاحب الإمرة فيها وعليها. أكسبها مناعة تأكيد رئيسها في أكثر من مناسبة أنه لن يتنحّى، أياً تكن وطأة الضغوط عليه وحدّتها بما فيه الشارع السنّي، وكان جرّب مقاومته في الأيام الأولى من التكليف ثم من التأليف في شباط المنصرم. أكسبها المناعة نفسها الثنائي الشيعي بدوره المزدوج: برّي مذللاً التناقضات ومبرماً فتاوى التسويات والتفاهمات بما فيها بين المتنافرين داخل قوى 8 آذار، وحزب الله بسيطرته على الشارع ومنع فرضه إسقاطها.

 

3 – رغم الأسباب المعلنة، أو الموحى به، في استقالة حتّي، المرتبطة تارة بأداء الحكومة في الداخل، وطوراً بالتباين مع رئيسها وأسلوب مقاربته الملفات والعلاقات الدبلوماسية، وأحياناً بالخلاف مع المرجعيات التي تقف وراءها ومتطلباتها، بيد أن ثمة سبباً جوهرياً كمن في تنحيه. هو في صلب تذمّر وزراء آخرين لا يسعهم في كل وقت الإفصاح عنه، أنهم يعملون بعدّة شغل سواهم، وبمعاونين لم يختاروهم، ولا يسعهم إبعادهم بل يجدون أنفسهم ملزمين الإصغاء إليهم والامتثال حتى. معظم الذين يديرون مكاتب الوزراء الحاليين، ويمسكون بمفاتيح الحقائب، هم أنفسهم رجال وزراء حكومات الوحدة الوطنية الذين أداروا الحقائب تلك ومثالبها، وأفرطوا في ارتكاباتها في ظلهم، وخصوصاً أن معظم الوزارات ولا سيما منها المفترض أنها مدرارة أو مشرعة على الصفقات والعمولات غير القانونية والمحاصصة، المخصّصة لتيارات وأحزاب لا تزال ضمناً في عهدتها.