استقالة حتّي بعد شروق الشمس وتعيين البديل قبل الغروب يعني الحكومة باقية
لم يسبق في تاريخ الحكومات اللبنانية منذ الاستقلال إلى اليوم ان استقال وزير من الحكومة، وعين بديلاً عنه في غضون ست ساعات فقط، فالطريقة التي تعامل فيها رئيسا الجمهورية والحكومة مع استقالة الوزير ناصيف حتي لجهة السرعة في قبول الاستقالة دون أي محاولة لثنيه عن قراره، وما تلاه من سرعة قياسية في تعيين وزير آخر مكانه تشكّل رسالة واضحة وضوح الشمس بأن الحكومة باقية رغم كل الضغوطات التي تمارس عليها في الداخل والخارج، من دون ان يعني ذلك ان ما جرى قد مر مرور الكرام ولن يكون له أية تأثيرات على الواقع الحكومي الحالي، وان الأمور ستقف عند هذا الحد ولن يجرؤ أي وزير آخر السير على الطريق الذي ساره الوزير حتي، فالكورونا السياسية التي اطاحت برأس الدبلوماسية السابق احدثت ارتجاجاً قوياً للحكومة لكنه غير قاتل، فمهما كانت الأسباب التي دفعت بالوزير حتي للاستقالة فإن هذه الاستقالة بحد ذاتها تشكّل ضربة للعهد والحكومة، سيما وأنها جاءت في ظل ظروف محلية ودولية أحوج ما يكون فيها لبنان بحاجة إلى التماسك الداخلي لمواجهة التحديات والاستحقاقات القادمة والعبور إلى شاطئ الأمان بعد ان احرق الخارج كل اشرعته مع لبنان مع الإبقاء على معبر ضيق يستطيع من خلاله بعض السفراء المرور لإيصال رسائل معينة وتوجيه النصح والارشادات.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه خصوم الحكومة ان استقالة حتي من شأنها ان تضعضع الحكومة وتدفع بوزراء آخرين إلى الاستقالة تجنباً لمواجهة ما هو آت إن على صعيد تدهور الوضعين النقدي والاقتصادي، أو على صعيد القرار الذي ستنطق به المحكمة الدولية يوم الجمعة المقبل والارتدادات التي سيتركها هذا القرار على الساحة الداخلية، فإن مصادر سياسية عليمة تؤكد بأن لا مفاعيل سلبية قوية على عمل الحكومة، وأن أي تداعيات لهذه الاستقالة قد تلاشت في اللحظة التي وقع فيها الرئيسان ميشال عون وحسان دياب مرسوم تعيين البديل شربل وهبة.
وعندما تسأل هذه المصادر ما إذا كنا على أبواب تعديل وزاري يطال بعض الوزراء الذين يعتبرون غير منتجين تسارع إلى التأكيد بأن مثل هذا التوجه غير وارد أقله الآن، فالوضع الراهن الذي يعيشه على لبنان على شتى الصعد يجعل مثل هكذا خطوة مستبعدة، من دون ان يعني ذلك ان الأفرقاء الذين ساهموا في تأليف هذه الحكومة راضون عن الأداء بالمطلق، بل هناك مآخذ كثيرة وانتقادات توجه بالمباشر لبعض الوزراء إنما كل ذلك لم يصل بعد إلى حدّ التفريط بهذه الحكومة لأن البديل اليوم معدوم، وان أي دعسة ناقصة بهذا الخصوص ستكون كلفتها غالية.
ويلتقي مصدر وزاري سابق مع هذه المعلومات من خلال جزمه بأن استقالة حتي قد عبرت ولن يكون لها أي مفاعيل سلبية، فالوزير المستقيل كان يعرف منذ ان تبلغ خبر توزيره أي سياسة ستتبعها الحكومة، وكان يعرف انه يمثل الوزير السابق جبران باسيل داخلها، وهذا يعني ان الاستقالة لم تكن اعتراضاً على أيّ من هذين العنوانين، ولذلك ربما الوزير حتي قد لجأ إلى خيار الاستقالة هرباً من أي موقف سيطلب منه حيال القرار الذي ستتخذه المحكمة الدولية يوم الجمعة المقبل، وهو يراه انه لا ينسجم مع ما يريده المجتمع الدولي، وكذلك ربما يكون لتجنب اتخاذ أي موقف من مسألة التجديد لقوات «اليونيفل» والتطورات المحتملة في المنطقة.
ويستغرب هذا المصدر وضع البعض هذه الاستقالة في خانة الخطوة على طريق استقالة الحكومة، وهو يعتبر ان هذا الكلام لا يبدو استثماراً سياسياً غير مربح، فلو كان هذا الأمر ممكناً لما كان التعامل مع الاستقالة قد تمّ على النحو الذي جرى فيه حيث ان الاستقالة تمت بعد شروق الشمس وعين البديل قبل الغروب، وفي ذلك دلالة واضحة على ان استقالة الحكومة غير واردة الآن، وان من يعملون على هذا الهدف لن يصلوا إليه في هذه الآونة، مشددة على ان الفرنسيين وغير الفرنسيين من الدول التي تقف دائماً إلى جانب لبنان لا تتدخل ولا تضغط في الوقت الحالي من أجل تطيير الحكومة بالرغم من المآخذ الكثيرة عليها لجهة عدم الولوج في الإصلاحات التي طلبت منها من أجل تقديم يد المساعدة لها للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، وان أي كلام عن ضغوط دولية حملت الوزير حتي على الاستقالة بهدف تطيير الحكومة هو كلام غير صحيح ويأتي في سياق أسلوب النكايات الذي ينتهجه خصوم هذه الحكومة.
ويشدد المصدر الوزاري على ان استقالة الوزير حتي لن يكون لها تأثير على الحكومة لجهة بقائها أو رحيلها، بل ربما تشكّل هذه الخطوة قوة دفع باتجاه تحسين الأداء، وإعادة النظر بعملية التضامن والتآزر بين مكونات هذه الحكومة.
وهل يحتاج الوزير الجديد إلى ثقة مجلس النواب يُؤكّد المصدر ان تعيين وزير أصيل مكان المستقيل لا يحتاج إلى ثقة البرلمان، لأن الثقة تأخذها الحكومة مجتمعة من خلال بيانها الوزاري.