عقبات كثيرة ما زالت تَحول دون ولادة حكومة جديدة، منها داخلية ومنها خارجية. وبالتالي، تشكيل حكومة ما زال بعيداً ومُستبعداً. ولبنان غارق في مُعاناته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، فضلاً عن التخوّف الأمني،الذي بات هاجساً حقيقيّاً، في كلّ مساء وحتى إنبلاج الفجر.
وفي المُقابل، حكومة مستقيلة بإستقالة رئيسها، عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادة /69/ من الدستور، حكومة لا تجتمع بحُكم أنّها قد باتت حكومة تصريف أعمال، عملاً بأحكام الفقرة الثانية من نصّ المادة /64/ من الدستور.
وبالتالي، هل يُمكن لحكومة تصريف أعمال ترك لبنان في عين العاصفة، دون أن تواجه، أو تتّخذ التدابير اللازمة؟.
جرى التقليد في الأنظمة البرلمانية على أن يطلب رئيس الدولة من رئيس الحكومة المستقيلة، الاستمرار في تصريف الأعمال مع أعضاء حكومته، ريثما يتّم تشكيل حكومة جديدة، وذلك منعًا لحصول فراغ على مستوى السُلطة التنفيذية. على أن تُمارس هذه الحكومة المستقيلة حدّاً أدنى من النشاط اللازم لمواجهة أعباء الدولة وتأمين مُتطلّباتها الضرورية. وكما قال مفوّض الحكومة لدى مجلس الشورى الفرنسي، الفقيه «بيار دلفولفيه» (P.Delvolvé) في مُطالعة له أمام المجلس المذكور في العام /1952/ «لا بُدّ مِن وجود سُلطة تُناط بها مهمة (إستمرارية الحياة الوطنية La continuité de la vie nationale) بين تاريخ إستقالة الحكومة وتأليف حكومة جديدة.
ودَرَجَ رؤساء الجمهورية في لبنان قبل الطائف على ذلك. مِن ثُمّ، كَرَّسَ التعديل الدستوري لعام /1990/ هذا التقليد في المادة /64/ (الفقرة/2/) مِن الدستور. وبالتالي تصريف الأعمال لم يَعُد مصدره التقليد، إنما نصّ دستوري صريح ومُلزِم. وبذلك يكون المُشتَرِع قد جعل من تصريف الأعمال مبدأً دستورياً.
لم يُحدّد الدستور ولا القانون، لا في فرنسا ولا في لبنان، المَعنى الدقيق لتصريف الأعمال. والمرّة الأولى التي وردت فيها عبارة «تصريف الأعمال» جاءت في المادة /52/ (الفقرة الأولى) من دستور الجمهورية الرابعة الفرنسية الصادر بتاريخ 27/10/1946. أمّا مَن تولّى تفسير هذه العبارة بالشكل القانوني الصحيح فهو القضاء الإداري.
فوِفقاً للإجتهاد الإداري الفرنسي، والذي أخذ به القضاء الإداري اللبناني، فإنّ تصريف الأعمال يعني حصر صلاحيّات الحكومة المستقيلة، في الحّد الأدنى المطلوب لتأمين سير المرافق العامة والقيام بالأعمال الجارية (Les affaires courantes) أي الأعمال العادية اليومية والأعمال الروتينية، والتي لا يُمارس عليها الوزراء إلاّ إشرافاً محدوداً. (Dalloz, 13e éd, 2001, P.465 et s…..).
وقد ميّز القضاء الإداري بين الأعمال الجارية والأعمال التصرّفية. فالأعمال التصرّفية هي الأعمال المُهّمة التي تُرتّب على الدولة أعباء جديدة و…. تخرج عن نطاق الأعمال الجارية، ولا يحّق للحكومة المستقيلة القيام بها، إلاّ في الحالات الطارئة والمُلحّة: (قرار شورى الدولة رقم 575/ 2006 ورقم 614/ 1969 و522/ 1999) حيث لا يجوز لحكومة تصريف أعمال وفي مثل هكذا حالات، أن تنكفئ عن القيام بواجباتها، أو أن تتلكّأ في إتخاذ التدابير اللازمة لدرء المخاطر ومواجهة القضايا المُلّحة، التي تتطلّب مصلحة البلاد العُليا التصدّي لها ومعالجتها.
مما يُفيد، أن تصريف الأعمال لا يعني تقاعس السُلطة التنفيذيّة عن إدارة شؤون البلاد، وعدم القيام بما يَلزَم، حِفاظًا على المصلحة العامة، وتأمينًا لإحتياجات المواطنين.
مما يعني، أنّ حكومتنا المُستقيلة، التي هي حُكماً بحالة تصريف أعمال بالمعنى الضيّق، لا يجوز لها التملُّص من القيام بما يُمليه عليها الواجب الوطني ومصالح المواطنين، فالمصلحة الوطنية تبقى فوق كل إعتبار.
وبالتالي، وفي حال إستدعت مصلحة البلاد العُليا، أن ينعقد مجلس الوزراء، لمواجهة أحداث خطيرة أو مشكلات مُلّحة، من أوضاع أمنية أو إقتصادية أو إجتماعية، فلا يوجد مانع دستوري يَحول دون ذلك. بل على العكس، يكون لِزاماً عليه ان يجتمع، إذا كانت هناك ظروف إستثنائية، أو أمور خطيرة، أو مُلّحة، تتطلّب إتخاذ قرارات أو تدابير عاجلة.
علماً، أنّ الأعمال المهّمة التي تقوم بها هذه الحكومة، والتي تَخرُج عن دائرة تصريف الأعمال، تظلّ خاضعة لرقابة القضاء الإداري، لجهة تحقّق الحالة الطارئة وتوافر شروطها. فضلاً عن كون رئيس الحكومة المستقيلة وأعضائها، يظلّون مسؤولين جزائيّاً ومدنيّاً عن أفعالهم أمام القضاء المختّص، رغم عدم مسؤوليتهم السياسية أمام مجلس النوّاب.
وفي الخُلاصة، إنّ الحكومة المستقيلة مدعوّة لممارسة دورها في مواجهة الأخطار الأمنية والإقتصادية والإجتماعية الراهنة. وعدم التحجُّج بإستقالتها، كون تنصُّلها وتلكّؤها سيُرتّب عليها المسؤولية تجاه وطنها وشعبها. ولاسيّما أنّ ولادة حكومة جديدة، لم تزل بعيدة الأجل وصعبة المنال.