Site icon IMLebanon

تصريف الأعمال مهمة الحكومة أم الوزراء؟

 

ينطلق كل نقاش حول تصريف الأعمال عندنا من منطلقين سياسيين لا دستوريين، فيما لا يجيبنا أهل الدستور بالمنطق والمقارنة والنص حول مفهوم تصريف الأعمال الّا بالسياسة. والمنطلقان هما، دور حكومة تصريف الأعمال في حال الأزمات الكبرى، والأعراف التي رافقت الممارسة السياسية في مرحلتي ما قبل اتفاق الطائف وما بعده، وما تغيّر بينهما من توزيع للصلاحيات الدستورية .

القضية تستحق ان تُناقش بجدّية ومسؤولية بعيداً من الحسابات والمصالح السياسية والطائفية. فتصريف الأعمال نص ورد في الدستور في المادة 64 ، وفيه «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الّا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال».

 

ثلاث قضايا يطرحها علينا النص، القضية الأولى هي الجمع بين حالتي الحكومة قبل نيل الثقة والحكومة المستقيلة، والقضية الثانية هي التعامل مع الحكومة ككيان دستوري واحد في الحالتين، والقضية الثالثة هي لفت النظر لممارسة دستورية مختلفة عن حالة حكومة نالت ثقة ولم تقع في حال الإستقالة، عن حالتي الحكومة بين قبل نيل الثقة وبعد الاستقالة، وصَفها الدستورضمن حدّي «لا تمارس صلاحيتها» و«إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، تاركاً للحكومة، ولمجلس النواب عند الضرورة، وللهيئات القضائية، في حال مراجعتها بطعون بقرارات الحكومة في هذه المرحلة، تحديد هذا المعنى الضيّق لتصريف الأعمال.

 

آمل من الدستوريين، ولدينا منهم أساتذة كبار، أن يجيبونا عن سبب جمع الحالتين بنص دستوري واحد، ما لم يكن التطابق بين الحالتين هو السبب، ومصدر التطابق هنا هو فقدان الحكومة قبل نيل الثقة، لثقة المجلس النيابي وعجز المجلس النيابي في حالة الإستقالة عن المساءلة، لعجزه عن طرح الثقة، ما يعني أنّ القياس واجب بين الحالتين وليس ممكناً فقط؟

 

السؤال الثاني، الذي نأمل من الأساتذة الدستوريين إجابتنا عنه، هو لماذا أناط الدستور مهمة ممارسة الصلاحيات ضمن النطاق الضيّق لتصريف الأعمال بالحكومة ككيان دستوري واحد تعود له ممارسة الصلاحية، ولم يقل يتولّى الوزراء كلّ في نطاق وزارته، ممارسة صلاحيته بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، إن لم يكن الأصل هو مواصلة الحكومة لممارسة صلاحياتها كحكومة، ولكن ضمن مفهوم جديد أضيق، هو ادنى ما أمكن من الصلاحيات لتصريف أعمال الحكم والدولة والبلاد؟

 

السؤال الثالث، لماذا ربطت المادة 64 التي ورد فيها نص تصريف الأعمال أصلاً، بين هذه الممارسة الضيّقة للصلاحيات وما سبقها في النص نفسه وهو «على الحكومة ان تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها»، أي انّ على الحكومة ضمن نطاق ممارسة صلاحياتها بعد صدور مراسيم تشكيلها، بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، أن تجتمع لتضع بيانها الوزاري وتقرّه، فيشكّل أول واجباتها التي يستحيل القيام بها دون إجتماع الحكومة، ولم ينص الدستور على تولّي رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية والوزراء، وضع البيان الوزاري؟

 

من علامات الحرص على بقاء الحكومة ككيان دستوري قائم لحين صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، هو أنّ مرسوم قبول الإستقالة لا يصدر إلّا بالتزامن مع مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، فلماذا الإصرار على إعتبار أي إنعقاد للحكومة بعد الإستقالة تجاوزاً لمفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، بينما يقوم الوزراء منفردون بما هو أوسع من تصريف الأعمال، لكن يكفي عدم إنعقاد الحكومة للقول انّها في مرحلة تصريف أعمال؟ عجب!

 

مثالٌ آخر على العجب، أن لا يعتبر انجاز الموازنة العامة التي حدّد لها الدستور مهلة لا ترتبط مواعيد تقديمها لمجلس النواب بصفة الحكومة، من مسؤوليات وواجبات الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال بمعناها الضيّق، طالما بمستطاع الحكومة الجديدة إذا أرادت، تعديل قانون الموازنة إذا جرى إقراره وفقاً للمِهل الدستورية الملزمة في ظلّ حكومة تصرف الأعمال، إلّا إذا قال أصحاب الاختصاص الدستوري إنّ الحكومة المستقيلة لا تستطيع أن تفعل ما لا تستطيع فعله الحكومة قبل نيل الثقة، فنقبل، لكن فليُسمعنا أحد لغة المنطق والعقل والدستور لا حسابات السياسة والطوائف.

 

اغلب القضايا التي يطرحها تصريف الأعمال يحتاج إجتماع الحكومة، وربما تكون القرارات بصددها أضيق من حدود ما يتصرف به الوزراء منفردون، تحت شعار التشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونيل موافقتهما، بصورة واضحة الهشاشة من الزاوية الدستورية، بديلها الوحيد هو اجتماع الحكومة وامتناعها عن التهاون، مع ما يتعدّى المعنى الضيّق لتصريف الأعمال، بدلاً من امتناعها عن عقد الإجتماعات.

 

هنا يمكن ان تفيدنا العودة للأعراف، انّ في سجل حكومات ما قبل وما بعد إتفاق الطائف حكومات عقدت إجتماعات واتخذت فيها قرارات، وهي في حالة تصريف الأعمال. فاجتهاد مجلس شورى الدولة لعام 1969، وكان خاضعاً لدستور ما قبل الطائف، أجاز حينها لحكومة الرئيس كرامي المعتكفة، الاجتماع لإقرار موازنة عام 1970. وبعد الطائف، على سبيل المثال، اجتمعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة في تموز 2013، وقد أجازت لها هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ذلك، لاتخاذ قرار في شأن مرسومين يتعلقان بالتنقيب عن النفط. يلاحظ أنّ رأي هيئة التشريع والاستشارات يتّجه في معظم الاحيان الى الإجازة للحكومة المستقيلة بالاجتماع، ورأيها له القيمة المعنويّة الكبيرة ولو انّه استشاري وغير ملزم.

 

لكن فيما اعتبرته استثناء فرضته الضرورة، ونراه قاعدة يوجبها احترام الدستور، الذي يتمسك ببقاء الحكومة ككيان دستوري واحد، يتولّى تصريف الأعمال قبل نيل الثقة وبعد الاستقالة.

 

أكرّر، أنني أقوم بمقاربة نابعة من الحرص على تطبيق الدستور، وكلي ثقة بأنّ فقهاء الدستور لدينا قادرون على قول الكلمة الفصل، وعندما يقولونها تطمئن قلوبنا ولو اختلفت المقاربات.

 

ويبدو أنّ الرأي الراجح في الفقه الدستوري يؤيّد اجتماع حكومة تصريف الاعمال، في ضوء وضوح الفقرة الثانية من المادة 64، التي لا تشكّل مانعاً لاجتماع الحكومة المستقيلة في ظلّ أوضاع استثنائية، عملاً بقاعدة الضرورة، كمعالجة الاوضاع الاقتصادية المتردية التي يقف عليها مصير شعب بأكمله.

 

لذلك، لا ينتهي وجود الحكومة اليوم، الّا بصدور المرسوم القاضي بقبول استقالتها، عن فخامة رئيس الجمهورية، وهو يصدر دفعة واحدة مع مراسيم تأليف الحكومة الجديدة. فإلى العمل درّ… الى الاجتماع، الى تحمّل المسؤولية امام الشعب اللبناني.