نسينا أننا في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.
نسينا أنّ هناك تكليفاً ورئيساً مكلّفاً تأليف الحكومة.
نسينا أنّ المفاوضات مقطوعة بين الرئيس المكلّف التأليف والرئيس الذي سيُصدر المراسيم بالتوافق الدستوري.
نسينا أنّ هناك حاجةً ماسّة لتشكيل حكومة سويّة تستطيعُ أن تواكب الأزمات والإهتراء والإنهيار، ولو بالحد الأدنى، إذا كانت المعالجة الجديّة مستحيلة في هذا البلد شبه المتروك إلى مصيره، وسط الأنواء العاتية، والأمواج الهائجة التي تتلاعب بالمركب فيما هو يتهاوى سريعاً إلى أعماق اللجّة.
نسينا، أو نسَّونا، ذلك كلّه لأنّ هموم أصحاب الحلّ والربط أكبر.
نعم، هناك همومٌ أكبر وأعظم وأجلّ من بلدٍ لم يعد فيه من مقوّمات الوطن سوى مجرّد تسمية لغير مُسمّى.
همومهم؟ هواجسهم؟
أجل! إنها أكبر من شعب يعيش اليأس في أبشع صوره.
وإنها أكبر من مواطنين يزداد عدد الفقراء فيهم يومياً.
وأكبر من جوع لم يعد يكتفي بأن يكشّر عن أنيابه، بل باتَ يغرزها وبعمق.
وهي أكبر من مداخيل وتعويضات ومرتّبات لم يعد لأرقامها أيّ صلة بالواقع، وهي تكاد لا تُغطي تكاليف الحياة حتى لأيام معدودة!
وإنها أكبر من شعبٍ مُعدَم، ومع ذلك صار من أصحاب الملايين. كيف! ببساطة: صار ثمن بطارية السيارة يتجاوز المليون ليرة. وثمن إطارها أكثر من مليونين. وسلّة المواد الغذائية ومستلزمات الأسبوع تفوق المليون وخمسماية ألف ليرة. فهذا زمن المليونيريين الجائعين. كان ثمن السيارة في الزمن الجميل، متوسّطة النوع والرفاهية، في حدود بضعة عشر ألف ليرة. اليوم، يكلّف تصليح إطار السيارة ما كان يوازي، في حينه، ثمن سيارة «دوليكس» فارهة.
وإنها أكبر من الأزمة المالية، والأزمة الإقتصادية، والأزمة السياحية، وأزمة الدواء والإستشفاء، وإفلاس المؤسسات، وغياب الكهرباء، والطرقات المحفّرة، والنفايات التي لا حلّ لها، والعزلة المضروبة على لبنان، والهجرة التي تستنزف الطاقات والمهارات الشابة، والبطالة الضاربة أطنابها (…).
وتلك كلّها لا تستوجب تأليف الحكومة لأنّ همومهم أكبر. وبالرغم من أنّ العالم يُجمع على أنّ التأليف ضرورة وكان يجب أن يتمّ أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد… ولكنّ هذا لا يأتي في أولويّات همومهم والهواجس!
كان الله في عون اللبنانيين، وليقدّرهُم على حمل ما لا يُحتَمل من هذا الطاقم السياسي الذي إبتلوا به.