Site icon IMLebanon

“التيار” يحمي ما تبقّى من العهد أو يفاوض على رأسه!

 

لم يتمكّن الباحثون في خلفيات زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، من ضبط أيّ عوامل جديدة لم يتطرق إليها الضيف العربي في تصريحاته المعلنة. وفق هؤلاء فإنّ الزيارة لا تحمل أي معطى إضافي من شأنه تحريك المياه الراكدة ولا تخرج عن سياق المبادرة الأساسية التي تقودها الإدارة الفرنسية.

 

لكن هذه الخطوة، كما خطوة عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت، تصبّ في خانة المؤشرات الملموسة، على انطلاق مرحلة المفاوضات الجديّة في المنطقة، وعليها، تمهيداً لرسم خريطة النفوذ في المنطقة على وقع التفاهمات والتقاطعات الدولية، حتى لو تأخر عقدها وبالتالي تحقيقها.

 

هذا يعني، أنّ ثمة قوى دولية واقليمية باتت تتصرف على قاعدة انطلاق قطار التفاهمات حيث سيكون لبنان احدى محطاته المرتبطة بملفات نفوذ إيران في المنطقة، ويفترض أن تكون المبادرة الفرنسية بوابة التسوية المنتظرة من خلال حكومة تستجيب للشروط الدولية الإصلاحية كشرط أساسي لرفع الحصار السياسي.

 

ولهذا يتصرف العهد على قاعدة رفضه تقديم أي تنازل من شأنه أن يجيّر لمصلحة القوى المحلية، وتحديداً لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، متمسّكاً بكل مطالبه التي تشكل خطوط مواجهة مع متطلبات الحريري وشروطه. ويعتقد العهد أنّه في حال اضطر الى التراجع أو ابرام تسوية ما، فليكن ذلك لمصلحة اتفاق يؤمن الاستقرار السياسي وانطلاق عجلة الإصلاح المالي والاقتصادي. غير أنّ هذا الاتفاق لا يحصل من دون رعاية خارجية… وهذه الرعاية لا تزال غير متوفرة. ولهذا يرفض العهد تقديم أي تنازل سيضعه الحريري في جيبه من دون أي مقابل سياسي من شأنه فكّ الطوق السياسي المضروب حول البلد.

 

في الإنتظار، يواجه العهد ومعه “التيار الوطني الحر” مأزق الازمات المالية، الاقتصادية والاجتماعية الآخذة في التفاقم أكثر، منذرة بمزيد من المصائب وبالتالي الانتكاسات والمعارضات التي ستقضم من حضور “التيار” وتنهي العهد على فشل مدوٍّ قد يدخله التاريخ من باب الويلات!

 

الملفت أنّ “التصلّب” العوني يتزامن مع تردي العلاقة مع حليف “تفاهم مار مخايل” على نحو غير مسبوق. فهي ليست المرّة الأولى التي يربط فيها “التيار الوطني الحر”، تفاهم مار مخايل ببناء دولة المؤسسات ويشكو من عدم قيامها محمّلاً شريكه في التحالف، مسؤولية هذا الفشل. لكنها من المرّات النادرة، في الأدبيات الرسمية لـ”التيار” التي يطال فيها التصعيد، سقف التهديد بفك التحالف. سبق لنواب من تكتل “لبنان القوي” ولقياديين من “التيار” أن ذهبوا في مواقفهم إلى حدّ الاعتراض العلني على “حزب الله”، ولكن لهذه الجولة من التمايز خصوصيتها وتوقيتها وإشاراتها المعبّرة.

 

في الواقع لا يمكن فصل هذا المسار الانفصالي عن “حزب الله”، عن معركة تأليف الحكومة التي تشتدّ أكثر مع بلوغ المشاورات حائطاً مسدوداً نتيجة انقطاع التواصل والاتصال بين الرئاستين الأولى والثالثة، واصرار كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه جبران باسيل، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على مطالبهم التي لا تجد حتى الآن أرضية مشتركة… بسبب الثلث المعطّل.

 

كل المؤشرات تثبت أنّ معركة الثلث المعطل هي التي تختصر الصراع الحاصل حول الحكومة. فرئيس الجمهورية ومعه باسيل يخوضانها على قاعدة أنّها آخر معارك العهد، ما يعني استحالة أن يقوما بأي خطوة تنازلية ازاء هذا الأمر، رغم قناعتهما أنّهما يصارعان على هذه الحلبة لوحدهما من دون أي حلفاء.

 

وها هو كلام نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم يزيد على ما سبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري أن قاله. إذ لفت الشيخ قاسم إلى أنّ “حزب الله لم يضع أسقفاً تمنع عملية التأليف وهو يقبل بما يقبل به الرئيسان” (عون والحريري)، ودعا إلى “تدوير الزوايا ومحاولة التفاهم لمعالجة المشاكل العالقة”، نافياً أن “يكون موضوع الثلث الضامن قد طرح مع أي جهة”. وكان سبق لبري أن أعلن بشكل واضح أنّه لا يجوز لأحد على الاطلاق الحصول على الثلث المعطّل.

 

يعني بالنتيجة، لن يقف أي من القوى الداخلية إلى جانب رئيس “التيار الوطني الحر” في وضع ثلث معطّل في جيبه من شأنه التحكّم بمصير الحكومة، لا سيما في مرحلة الشغور الرئاسي حيث من المقدّر لهذه الحكومة أن تملأ هذا الفراغ إلى أجل، لا أحد يعرفه. ولعل هذه القناعة هي التي دفعت بباسيل إلى رفع السقف عالياً في بيان المجلس السياسي بعدما بات متيقّناً من أنّ “حزب الله” غسل يديه من هذا المطلب، وأنه لن يجاريه في معركته حتى لو كانت آخر “ثمن” يقبضه رئيس “التيار الوطني الحر” من حليفه… ما أملى عليه “التهديد” بفك التحالف على قاعدة آخر الدواء الكيّ.

 

راهناً، يشهد “التيار الوطني الحر” نقاشات تطال مصيره ومستقبله. ثمة من يدفع باتجاه المسارعة إلى تأليف حكومة تترك للفريق العوني ستة وزراء، وهو مطلب غير تعجيزي يسهل تحقيقه، وثمة من يصرّ على لعبة “الصولد”: إما كل شيء أو لا شيء. الاشكالية تقع حين يصل النقاش إلى تداعيات هذه السياسة على “التيار”. إمّا يحمي ما تبقى من فرص للعهد، لانقاذ ما يُمكن انقاذه وبالتالي الحفاظ على وجود “التيار” وحضوره الشعبي الآخذ في التآكل، وإمّا يُترك العهد موضوعاً برمّته على طاولة المفاوضات، للتفاوض على رأسه، لتأمين مستقبل جبران باسيل!