تعيش المؤسسات اللبنانية أسوأ أيامها مع “الفرط” الممنهج لبنيان الدولة وعدم قدرة الحكّام، أو بالأحرى عدم رغبتهم، في إيجاد حلول للأزمات المتراكمة.
ثلاث محاولات كبرى جرت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب لإيجاد حلّ للأزمة اللبنانية، وكلها محاولات باءت بالفشل.
المحاولة الأولى والأساسية قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي عمل على تأليف حكومة “مهمة” إنقاذية برئاسة السفير مصطفى أديب تحظى بدعم المجتمع الدولي، شرط أن يحيد أهل السياسة عنها ولا يتدخلوا بعملها، وهذه الحكومة كانت ستحظى بدعم دولي كبير، لكن “حزب الله” أجهضها بالدرجة الأولى ومن ثمّ أكمل عليها الرئيس سعد الحريري الذي فعل كل شيء من أجل العودة إلى السراي الحكومي.
أما المحاولة الثانية فقادها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي عمل وسيطاً ومبادراً بين الحريري من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل من جهة أخرى، لكنها إصطدمت بموقف باسيل الذي تمسّك بالثلث المعطّل وخطف موقف بعبدا في هذا السياق، وبرز عون وباسيل كمعرقلَين لولادة الحكومة تحت عنوان “حقوق المسيحيين”.
أما المحاولة الثالثة لتأليف حكومة فأتت من وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي دخل على الملف الحكومي منذ إخفاق مبادرة ماكرون، وقدّ فعّل حراكه بعد إنطلاق وساطة البطريرك الراعي، وتأتي جهوده لدعم حراك الراعي وماكرون.
لكن كل تلك المحاولات تواجه الإخفاقات المتكررة، ولم يستطع إبراهيم تحقيق خرق ما أو إنجاح جهود الراعي وماكرون، على رغم أن حراكه لا يقتصر على قوى الداخل بل يتجاوزها إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني.
وتؤكّد المعلومات أن كل الأجواء الإيجابية التي تُشاع لا تمتّ إلى الواقع بصلة، ودائماً تحضر الشياطين في التفاصيل، وإذا حُلّت عقدة يخلق أهل السياسة عُقداً أخرى. فعلى سبيل المثال، اذا وُجد حلّ لعقدة الثلث المُعطّل الذي يُطالب به عون وباسيل، فان عقدة وزارة الداخلية حاضرة، وسط الصراع بين عون والحريري عليها، علماً أن الحريري وفور تكليفه طرح مسألة المداورة بالحقائب، وكان استثنى وزارة المال التي حسمها الحريري للطائفة الشيعية، ووفق ما نُقل أن الحريري كان تخلّى عن وزارة الداخلية ليعود بعد فترة ويعلن التمسك بها.
عقد كثيرة لا تزال متبقية على شاكلة إلى أي فريق ستذهب وزارة العدل، وماذا عن رفع حجم الحكومة بعد الكلام عن وصولها إلى العشرين وزيراً وحتى 24 وزيراً، وعقدة تمثيل دروز وسنّة 8 آذار، كُلها عوامل تجتمع تحت اسم واحد وهو “لا حكومة قريباً”، ما يدل على أن كل حركة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وإقتراحه رفع حجم الوزراء من دون ثلث معطّل لأي فريق ولدت ميتة.
وإذا كانت بعض الدول الكبرى مثل فرنسا ودول الإتحاد الأوروبي وروسيا تريد حكومة، فان دولاً فاعلة أخرى لا تزال مواقفها ضبابية وهي أكثر تأثيراً في الملف اللبناني مثل السعودية وإيران والولايات المتحدة الأميركية، علماً أن أبواب الرياض لم تفتح بعد أمام الحريري ولم يُعطَ بطاقة مرور لتأليف حكومة يشارك فيها “حزب الله”.
ووفق كل هذه المعطيات، سيتمّ ملء الوقت الضائع بتكثيف المبادرات والإتصالات من أجل إجتراح حلول داخلية، وسيتمّ بثّ أجواء إيجابية تارةً وأجواء سلبية طوراً، في وقت لا يمكن لأحد وقف إنهيار الليرة وارتفاع صرخات المواطنين وسط المخاوف من أن يُكمل عون عهده بحكومة تصريف أعمال.