يجب أن يوضع حدٌّ مرةً واحدة وأخيرة لذريعة أن ما يمنع اسقاط رئيس الجمهورية هو “خط أحمر” ترسمه بكركي وقيادات مسيحية وازنة أو خفيفة ترفض المس بالمقام والموقع الماروني، علماً أن مفتاح إنتاج سلطة بديلة، بقوة الشارع أو الدستور، هو في ساحة النجمة بالتحديد.
وأفضل ردّ على القوى السياسية البرلمانية التقليدية، أو “الثورية”، التي تموِّه بالحجج الساقطة عدم رغبتها في معركة جدية لإسقاط ساكن بعبدا أو قصورها عن ذلك، التذكير بما نُقل عن البطريرك صفير إثر لومه على “تحريمه” اسقاط اميل لحود إبان “ثورة الأرز”، إذ قال: “عجباً كيف عصيتم بكركي في الكثير وأطعتموها في هذا الأمر”.
هناك طريقتان لاسقاط الرئيس عون. ويمكن للراغبين اعتماد اي واحدة منهما مع كفالة مصدَّقة بأن “ميليشيات البطريرك” و”سراياه المسلحة” لن تتصدّى لأي منهما: إما تقصير ولاية مجلس النواب عبر استقالة المتحمسين لرؤية عون عائداً الى الرابية سريعاً بدل انتظارهم الدهر على حافة النهر، او اقتحام القصر الجمهوري بقوة حشود “17 تشرين” الثائرة وليس بمثل التظاهرة الهزيلة التي سارت نحوه السبت. والطريقتان يمكن تطبيقهما نظرياً على ساحة النجمة وصاحب أقفالها لتقصير الطريق.
يعلم الذين يتهمون بكركي بحماية رئيس يعتبرونه عنصر تأزيم وعائقاً أمام الحلول، ان من يمنع سقوطه هو السلاح نفسه الذي حمى اميل لحود والذي تعطلت بواسطته الانتخابات الرئاسية أكثر من عامين لايصال عون الى الكرسي بشهادة نواف الموسوي. ولأنهم يخشون التصويب على الهدف الصحيح يهربون الى التحايل إن لم يكن الى الأكاذيب. فخُطب سيد الصرح تعني – لمن يريد الفهم – اننا نستحق سلطة تليق بالشعب اللبناني ورئاسات وممثلين جدداً يعبرون عن رغبته في الخلاص من الانهيار الرهيب.
رئيس الجمهورية ليس خطاً أحمر، لكن اللعبة السياسية التقليدية تحصّنه بمكرها وبالمحاصصة الطائفية، فيما عجزُ الثورة عن تشكيل قوة ضاغطة يجعل اسقاطه مجرد شعار لتزجية الوقت، ويعطي الفرصة للمنتشين بخط التظاهر من مصرف لبنان الى وزارة الداخلية لتكرار خطابهم الخشبي الممانع وحصر الجريمة التي ترتكب بحق لبنان دولة وكياناً وسيادة وحريات بـ”الحاكم”، رغم وجوب ان يكون مع سائر “الشلة” قيد المحاكمة ووراء القضبان.
حان وقت الواقعية. وواجب الثورة الاعتراف بأن مأزقها ليس أقل من مأزق السلطة الممسكة برقاب الناس. فلا هي قادرة على ترحيل الرئيس ولا على فرض حكومة مستقلين تباشر التغيير أو انتخابات تعطي أملاً بواقع جديد. أما “كلن يعني كلن” فيُخشى ان يتحول شعاراً انقسامياً بعدما وحَّد المنتفضين ضد طغمة الحاكمين. لذلك بدل ان تُلام بكركي على “خطها الأحمر” الوهمي حمايةً للرئيس، فلتُشكر على صوغها مشروع “الحياد” البديل إنقاذاً للثورة ولكل اللبنانيين.