عندما جرى الاتفاق بين الشركاء السياسيين الكبار في البلد على تشكيل حكومة تخلف حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي، على ان تكون برئاسة رجل عاقل، موزون و مرن هو تمام سلام، كانت الفكرة ان يعبر لبنان استحقاق انتخابات الرئاسة بأقل الاضرار، وتمر المرحلة السورية الرمادية بأقل قدر من الاهتزازات الامنية والسياسية. في لحظة سياسية التقت مصالح الافرقاء الاساسيين على “تهدئة” لا ترقى الى مصالحة لكنها تغلب منطق التفاهمات بالمفرق، مع ترحيل الخلافات الكبرى. ولدت “حكومة المصلحة الوطنية” معطوفة على انطلاق حوارين متوازيين بين “تيار المستقبل” من جهة، وكل من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” من جهة اخرى. والحق ان البلاد شهدت مرحلة ارتخاء سياسي نسبي لم تؤثر عليه ازمة تورط “حزب الله” في حرب ضد السوريين، لا احداث الحدود الشرقية مع سوريا، ولا حتى الركود الاقتصادي الذي ضرب البلاد بقوة غير مسبوقة. ومع تبدل المناخات السياسية بفعل تراكم الاستحقاقات التي جرى ترحيلها على مدى الاشهر الماضية، بدا لبنان مقبلاً على مرحلة مختلفة تتزامن مع تحولات كبيرة على الساحة الاقليمية مع توقيع الاتفاق حول النووي الايراني، وبلوغ العمل النيابي والحكومي مرحلة من الشلل شبه التام.
يجب الاعتراف بان الحكومة لعبت دورا ايجابيا لترجمة قرار “التهدئة” بين “الاضداد” لكنها وبفعل التراكمات الخلافية، والتفاهمات السطحية التي بقيت موقتة، ولاحت بوادر عودة الخلافات الكبيرة لتطفو على السطح مع بلوغ “الحوار” حول رئاسة الجمهورية حائطاً مسدوداً بفعل استحالة وصول ميشال عون الى الرئاسة لاسباب عدة معروفة، ليس اقلها ضعف الثقة باتزانه السياسي، و انحيازه الفاضح الى تحالف اقليمي ممتد من طهران الى حارة حريك مرورا بالقرداحة. و كان السبب الآخر للتوتر المرشح للتزايد، اشكالية تعيين قائد جديد للجيش، مع استحالة وصول مرشح ميشال عون، صهره العميد شامل روكز الذي يقال انه ضابط جيد، لكنه يبقى اولا وآخرا جزءا من تيار سياسي على صدام حاد مع نصف البلد.
اليوم، تراكمت الاستحقاقات بشكل كبير. والتعيينات العسكرية اقتربت من نهاياتها مع رجحان تأجيل تسريح الضباط الكبار بمن فيهم روكز، لان المرحلة هي مرحلة سياسية شبيهة بازمة النفايات، لا حلول ولا طمر، بل ترحيل لكل استحقاق حقيقي. في هذه الاثناء، وفيما هدد تمام سلام مؤخرا اكثر من مرة بالاستقالة، نلاحظ ان الحكومة ماتت بالمعنى السياسي، وحتى انها في المجال التنفيذي المحلي والصغير تآكلت الى حد بعيد.
سقطت الثقة الفعلية بالحكومة كمؤسسة، مثلما سقطت بالمؤسسات الاخرى. واستقالة تمام سلام لا تقدم ولا تؤخر، لان الاهتراء اعمق من “صدمة” الاستقالة المحدودة.
من المؤسف ألاّ تكون للدولة كمؤسسة اي اعتبار عند اللبنانيين الذين يعيشون يومهم بيومهم.