أزمتا الرئاسة فالحكومة إنتهتا بالتسليم بأهمية المعايير كناظمٍ لأي إستحقاق دستوري
التعقيدات المؤسّسِية تتكرر منذ إنتهاء الوصاية لقصورٍ في مواكبة مرحلة التحرُّر منها
العقدة الجديدة للتأليف الحكومي يجب ان تعكس مستقبلاً النسبية التمثيلية التي انتجها قانون الانتخاب النسبي
إقتات دينامية الولادة الحكومية من الوقت كثيره، لكنها أرست مجموعة من الثوابت الحسابية والعلمية سيكون صعبا من اليوم فصاعدا تخطيها عند أي عملية مماثلة، مثلها مثل ثابتة الرئيس القوي تمثيلا وشعبية والتي لا يمكن أحد القفز فوقها في إستحقاق سنة 2022، بدليل هذا التسارع في تثبيت الترشيحات الرئاسية ذات المنحى الوازن، وتحديدا على ضفّة القوات اللبنانية، وهامشيا على ضفّة تيار المردة، بذراع حزب الله لا ذراعه.
ثمة من يحلو له التركيز على الجانب الملآن في كل ما حدث. هناك تسليم بضرورة إعتماد معايير علمية – حسابية تؤازر الدستور في تحقيق الإستقرار والحكم السديد والسلس. فنظام ما بعد الـ2005 تحرر من الوصاية على القرار، لكنه لم يتحرر من عقلية الإستئثار والتسلط، ولم يستطع أن يواكب الحاجات الملحة لهذا التحرر، وخصوصا القدرة على إستنباط آليات حكم تتواءم ومرحلة جديدة لا وجود فيها للحكَم – المقرِّر السوري، إما لنقص في القدرة على الإبتداع وإما لقصور في فهم المرحلة الجديدة ومواكبة مندرجاتها ومفاعيلها. كانت النتيجة أزمة تلو أخرى عند كل مفصل:
أ-إبان إنتخابات ربيع الـ2005 حين لم يجد ما عُرف حينها بالقوى السيادية بُدا من إعتماد قانون غازي كنعان – نقيض السيادة – للإستحواذ على الحكم. كما لم تجد هذه القوى غضاضة في التحالف مع «حزب الله» – نقيض الخطاب الذي قامت عليه هذه القوى ولا تزال- ولاحقا محاصرة العماد ميشال عون، بغية وضع يدها على السلطة التنفيذية وتطبيق رؤيتها للحكم، وهو ما تحقق لها بين العامين 2005 و2008.
ب-إثر إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحود خريف العام 2007، والذي تأخر إنتخاب خلفه حتى أيار 2008 بفعل غياب القدرة على ملء سريع للمقام الرئاسي بفعل عدم الرغبة في التسليم بأحقية الرئيس ذي التمثيل الوازن (جرى الهرب الى بدعة الرئيس الوسطي الذي بدأ من مكان وإنتهى في مكان آخر)، معطوفا من جهة على غياب النص الدستوري الذي يقيّد النواب بمهلة زمنية، ومن جهة اخرى على الخلاف على تفسير الدستور لجهة القدرة على إنتخاب الرئيس بالثلثين أو بالغالبية في الدورة الثانية.
ج-عشية تكليف الرئيس تمام السلام تشكيل حكومته في العام 2014 والذي إستغرق 11 شهرا من المماطلة والمراوغة والمناورة والإستنزاف لينتهي الأمر بإتفاق دولي أميركي – إيراني على ختْم الأزمة.
في الحالات – الوقائع الـ3، كان غياب المعايير الدستورية والسياسية والعلمية السليمة سببا في تفاقم الأزمة وإستفحالها، على مِثال شفير هاوية الحرب الأهلية في أيار 2008، والفراغ الدستوري المتمدِّد في ربيع الـ 2014، بعد 6 اعوام بالتمام والكمال من حكم أُتي به لوسطيته وإنتهى الى خلاف عميق مع من كان أول من عمل على التنظير له!
باتت القاعدة الجديدة للتأليف الحكومي التي أرستها أشهر المخاض السبعة ثابتة لا يمكن، إذن، لأي سلطة، مستقبلا، عكس الدينامية التي نتجت منها، بحيث تكون المقاعد الحكومية في أي تشكيلة إتحاد وطني إنعكاسا حقيقيا للنسبية التمثيلية التي أنتجها القانون النسبي، وتتوزع وفق قاعدة واضحة لا وفق الإستنسابية التي كانت تشكل قاعدة مشوهة لتأليف الحكومات سابقا، وتحديدا منذ إتفاق الطائف، حيث كانت تُختصر قوى رئيسية (وخصوصا المسيحية) أو حتى تُعدَم لمصلحة فروع محصورة التمثيل الشعبي. وما كان قائما زمن الوصاية السورية إستمر بالزخم نفسه بعد العام 2005، حين تقمّست قوى حالفت الوصاية عقودا ثلاثة، مفهوم الوصاية فجرى حينها أيضا تغييب قوى رئيسية مسيحية (كالتيار الوطني الحر) أو حتى تقزيم قوى أخرى (القوات اللبنانية والكتائب) لمصلحة شخصيات سُمّيت زورا مستقلة (وهي في الحقيقة تابعة لقوى الوصاية) أو أحزاب فرعية لا تعكس حقيقة التمثيل الشعبي المسيحي أو هي كانت ملحقة بالقوى الرئيسية المسلمة.