على الرغم من السجال المفتعل والذي كان متوقعاً على خلفية معالجة ملف النازحين السوريين في لبنان فقد تجاوزت جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا يوم أمس، قطوعاً بالغ الأهمية، كاد يطيح بالتماسك والاستقرار في هذه المؤسسة الجامعة لغالبية القوى السياسية على اختلاف وتوزع خياراتهم السياسية والعقائدية، وعلى المستويات الداخلية والخارجية كافة.. وقد يكون الفضل في ذلك الى الاتصالات التي سبقت موعد انعقاد الجلسة بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري و»حزب الله» وآخرين.. وذلك على الرغم من الأخطار الأمنية التي استدعت معالجات ميدانية سريعة من قبل الجيش اللبناني، بالتنسيق مع سائر الأجهزة الأمنية وبعض القوى الحزبية على الأرض.. وأدت في جملة ما أدت اليه، الى تفكيك «شبكات إرهابية» كانت تعد لعمليات أمنية وتفجيرات انتحارية في غير منطقة من لبنان..
لم تشكل هذه التهديدات والانجازات ما يكفي من دوافع وأسباب للتعامل مع الاستحقاقات والقضايا العالقة بشيء من «التروي» و»التعقل» وتلطيف الخطاب السياسي – الاعلامي بل على العكس من ذلك، حيث ذهب البعض بعيداً غير عابىء بما قد يتركه ذلك من تداعيات على الوضع في البلد.. ابتداءً من المسألة الأمنية، مروراً بأزمة النازحين السوريين التي دخلت على الخط من أبواب عدة وباتت مادة دسمة للمزايدات ورمي الاتهامات يميناً ويساراً وصولاً الى سائر الاستحقاقات الداخلية التي تحضر الأرضية الشعبوية للانتخابات النيابية بعد أحد عشر شهراً تقريباً..
من أسف، ان الغالبية الساحقة من «القوى السياسية» تمضي في خياراتها غير عابئة بما يمكن ان يتعرض له البلد من أخطار أمنية واقتصادية واجتماعية وغير ذلك، وقد وفر البعض أرضية صالحة لذلك، خصوصاً وأن زعزعة الأمن والاستقرار في البلد، هي في جزء كبير منها، نتاج التدخلات الخارجية والاصطفافات المحورية الداخلية – الاقليمية الدولية..
احتفظ الافرقاء بمواقفهم على أبواب القصر الجمهوري من مسألة النازحين السوريين التي تصدرت المشهد، وفي قناعة البعض «ان اقصر طريق لحل أزمة النزوح السوري هو التحدث مع الحكومة السورية..»، خلاف رأي آخرين شددوا على «ان المسألة تبحث مع الأمم المتحدة وتكون من ضمن تسوية كبرى، حيث لا فائدة من بحثها لبنانياً..».
لقد مضى نحو اسبوعين على ولادة «وثيقة بعبدا – ٢٠١٧»، التي جاءت في سياق الرغبة في تفعيل عمل الحكومة والعهد.. لكن، وحتى الآن، لم تظهر بوادر عملية تحوّل الأقوال والتمنيات الى أفعال ورفع العوائق من طريق «ثالوث القوة» في الأمن والسياسة والاقتصاد ويمضي البعض مستخفا بما يمكن ان يواجه لبنان من تحديات على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والوطنية كافة.. و»العين الدولية الساهرة» ترقب كل صغيرة وكل كبيرة في الداخل اللبناني، وعلى الحدود، كما وفي محيطه المباشر حيث تحصل تطورات لافتة ميدانيا، تدفع عديدين الى التروي وانتظار ما ستؤول اليه «ليبنى على الشيء مقتضاه..»؟! خصوصاً وأن لبنان، الكيان، يمتاز من غالبية دول العالم، بفلتان لافت على خط تحرك الديبلوماسيين الممثلين لدولهم، وهم وسَّعوا من دائرة اتصالاتهم مع الاحزاب والقوى والشخصيات السياسية وغير السياسية من غير التقيد بالقواعد الديبلوماسية الدولية.. وهم يسعون – على قدر ما توفر لهم الامكانات – للافادة من هذا الواقع وتجييره لصالح حساباتهم ومصالحهم.. لاسيما وأن المؤسسات الجامعة عربياً وإقليمياً (جامعة الدول العربية مثلا) تنام نومة أهل الكهف..
الأعين تتطلع الى ما ستكون عليه التطورات الخارجية، ولبنان لم يغب عن ذلك، حيث وبالاضافة الى التواصل اليومي بين المعتمدين الديبلوماسيين مع الافرقاء اللبنانيين، فإن الدعوات التي وجهت لرئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة واشنطن وموسكو، بالغة الدلالة وهو أمضى أياماً في المملكة العربية السعودية. والزيارة الى العاصمة الاميركية تكتسب أهمية، خصوصاً وأنها ليست الأولى لرئيس الحكومة، وهو يسعى الى توفير أوسع شبكة أمان داخلية لحكومته، وابعادها ما أمكن عن «الغلبة السياسية» لهذا الفريق او غيره، في ظل معطيات بالغة الخطورة، تتمثل بجملة العقوبات التي تعدها الادارة الاميركية ضد «حزب الله» وآخرين ممثلين في الحكومة، كما في مجلس النواب..
قد يكون حق الاختلاف والتعبير عنه، أمراً طبيعيا في بلد كلبنان، لكن لكل شيء حدود، والساحة الدولية مليئة بالتطورات غير البعيدة عن المخاطر والاهتزازات السياسية والأمنية وهي مرشحة الى المزيد، والعالم يتطلع الى ما ستؤول اليه القمة المنتظرة بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الالمانية نهاية هذا الاسبوع.. حيث يذهب العديد من المتابعين الى التأكيد على «ان هذه القمة ستؤسس لمرحلة مختلفة في العلاقات الدولية تتظهر مشكل أساسي في الميدانيات السورية وفي المفاوضات لحل النزاعات على حد سواء..»؟!
وبقدر ما ان لبنان هو في عين الاهتمامات والمتابعات الدولية، فهو في الوقت عينه في عين العواصف الداخلية والاقليمية، وهو لايزال هدفاً للجماعات الارهابية والتكفيرية وليست مسألة ما حصل في عدد من مخيمات النزوح واللاجئين سوى رسالة بالغة الدلالة، وتعبير عن ان الجيش وسائر المؤسسات الأمنية، أول المستهدفين.. ولعل ما كشف عنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يشكل دليلاً بالغ الدقة، على وجوب التعاطي مع الملف الأمني على قدر كبير من المسؤولية السياسية بعيداً عن المزايدات..» وقد تعزز هذا التوجه بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهل جلسة مجلس الوزراء الى تجنب «الجدل البيزنطي» الذي يصرف النظر عن الجوهر.. فهل الى ذلك من سبيل؟!